للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأرسل إلى شاور يقول أين استدعائى الغزّ من المسلمين لنصرة الإسلام من استدعائك الفرنج للإعانة على المسلمين. فقال للرّسول: قل لمولانا عنّى أنت مغرور بالغزّ والله لئن يثبت لهم رجل بديار مصر لا كانت عاقبته وخيمة إلاّ عليك. فلمّا بلغه ذلك قال: رضيت أن تكون إسلاميّة وأكون فداء المسلمين.

فوافت كتب العاضد وكتب جماعة من الأعيان إلى نور الدين بحلب، فانزعج لذلك وجمع الأمراء للمشورة فأشاروا بإرسال أسد الدّين شيركوه. وكان بحمص وقد وصلت إليه الكتب من مصر باستدعائه لإنجازهم وإنقاذهم مما نزل بهم، فخرج منها يريد السّلطان بحلب، وخرج رسول السّلطان من حلب بطلبه، فتلاقيا بباب مدينة حلب، وعادا.

فلمّا رآه السّلطان عجب من سرعة مجيئه، فأعلمه بموافاة الكتب إليه تستدعيه إلى مصر؛ فسرّ بذلك وتفاءل به، وأعطاه مائتى ألف دينار وثيابا وسلاحا ودوابّ، وحكّمه فى العسكر فاختار ألفى فارس وجمع فسار فى ستّة آلاف فارس.

وخرج معه نور الدّين إلى دمشق، فوصل إليها فى سلخ صفر، وجهّز أسد الدين وأعطى نور الدّين كلّ فارس ممّن معه عشرين دينارا مصريّة (١) غير محسوبة عليه من جامكيّته (٢) وأضاف إليه جماعة من الأمراء، منهم عز الدّين جرديك، وغرس الدين قلج، وشرف الدّين بزغش، وعين الدولة الياروقى، وقطب الدّين ينال المنبجى، وصلاح الدّين يوسف بن أيّوب. وكان صلاح الدّين كارها مسيره إلى مصر كأنّما يساق


(١) كان التعامل بالدنانير المصرية يجرى وزنا، على نظام العيار الذهبى، والعبرة فى وزنها بالمثاقيل، وضابطها أن كل سبعة مثاقيل زنتها عشرة دراهم، والمثقال معتبر بأربعة وعشرين قيراطا، وقدر بثنتين وسبعين حبة شعير من الشعير الوسط. ولما كانت وحدة التعامل هى الدينار الذهبى صار من الطبيعى أن تقوم به أسعار الحاجيات وأجور المستخدمين والعمال فتأكدت بذلك العلاقة الوثيقة بين الأسعار والرواتب والنقد الذهبى. أما الدنانير غير المصرية، والتى يؤتى بها من البلاد الإفرنجية وبلاد الروم، وهى دنانير معلومة الأوزان كل دينار منها بتسعة عشر قيراطا ونصف قيراط من المصرى، واعتباره بصنج الفضة المصرية، وهذه الدنانير مشخصة عليها صور الملك الذى تضرب فى زمانه وصور بعض القديسين - فكان التعامل بها عددا لا وزنا. وتسمى هذه الدنانير الأجنبية بالدنانير الأفرنتية، أى الفرنسية، ويعبر عن بعضها بالدوكات وهذه كانت تضرب بالبندقية. صبح الأعشى: ٤٤٠:٣ - ٤٤٣؛ حالة مصر الاقتصادية فى عهد الفاطميين: ٣٠٠ - ٣٠٧. ومن هذا يتبين أن الدنانير المصرية التى أعطاها نور الدين لرجاله فى هذه الحملة كانت من عوامل التشجيع على تأدية المهمة التى كانوا مقدمين على تأديتها.
(٢) الجامكية رواتب الجند، نقدا أو عينا. قوانين الدواوين: ٣٥٥، ٤٥٣؛ Dozy;Supp.Dict.Ar . .