للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آلاف دينار، لفقر أهل مصر وسوء حالهم وذهاب أموالهم فى الحرق والنّهب بحيث صاروا لا يجدون القوت عجزا عنه، ولأنّ أهل القاهرة أكثرهم الجند وأهل الدّولة وأتباعهم فقال الفقيه عمارة (١):

يا ربّ إنّي أرى مصرا قد انتبهت … لها عيون اللّيالى (٢) بعد رقدتها

فاجعل بها (٣) ملّة الإسلام باقية … واحرس عقود الهدى (٤) من حلّ عقدتها

وهب لنا منك عونا نستجير به … من فتنة يتلظّى جمر وقدتها

فبينما الفرنج فى استحثاث أهل القاهرة فى حمل المال إذ وصل إليهم فى مستهلّ ربيع الآخر خبر قدوم أسد الدّين بالعساكر فأزعجهم ذلك ورحلوا عن القاهرة يوم السّبت، ثالث ربيع الآخر، ومعهم من الأسرى اثنا عشر ألفا ما بين رجل وصبىّ وامرأة. فنزلوا على بلبيس، وساروا منها إلى فاقوس.

ونزل أسد الدّين بالمقس إلى اللّوق خارج القاهرة يوم الأربعاء سابع ربيع الآخر، فخرج إليه العاضد وتلقّاه.

وكان شاور لمّا بلغه وصول شيركوه إلى صدر (٥) أخرج شمس الخلافة إلى مرى وقال له: قد وقف المال علينا، وقد جئت إليك أستوهب منك بعض ما قطعت علينا. فقال مرى: اطلب ما شئت. قال: تهب لى من الألفى ألف ألف ألف. قال: قد فعلت فقال شمس الخلافة: ما بلغنى أنّ ملكا وهب مثل هذا لقوم هم فى مثل حالنا. فقال مرى:

أنا أعلم أنك رجل عاقل وأنّ شاورا ملك، وأنّكما ما سألتمانى أن أهب لكما هذا المال العظيم إلاّ لأمر قد حدث. فقال: صدقت؛ هذا أسد الدّين قد وصل إلى صدر نصرة لنا وما بقى لك مقام؛ وشاور يقول لك أرى أن ترحل ونحن باقون على الهدنة فإنّه أوفق لنا ولك،


(١) فى النكت العصرية: ١٨٩ - ١٩٠.
(٢) فى النكت: عيون الأعادى.
(٣) فى الأصل: واجعل لها. والتصحيح من النكت العصرية.
(٤) فى الأصل: واحرس عقود العدا. والتصحيح من النكت العصرية.
(٥) يذكر ياقوت أنها كانت - على زمنه - قلعة خرابا بين القاهرة وأيلة. ويحدد أبو شامة، نقلا عن ابن أبى طى، بعدها عن القاهرة بيومين. معجم البلدان: ٣٤٤:٥؛ كتاب الروضتين: ٤١٩:١.