وإذا حصل هذا الرّجل عندنا أرضيناه من هذه الألف ألف بشئ وحملنا الباقى إليك متى قدرنا، وإن نحن أخرجنا فى رضاهم أكثر من هذا المال عدنا عليك بما يبقى علينا من المقدار.
فقال مرى: أنا راض بذلك. فقال: وأن تطلق ابن طىّ بن شاور وجميع من فى عسكرك من الأسارى، ولا تأخذ من بلبيس بعد انصرافك شيئا. فأجاب إلى ذلك، وأطلق ابن شاور ورحل.
ولمّا قارب شيركوه القاهرة خرج شاور إلى لقائه وقابله بالاحترام والإكرام، وأشار عليه باتّباع الفرنج. فلم ير ذلك واعتذر بما هم فيه من التّعب.
ونزل أسد الدّين بظاهر القاهرة، ودخل على العاضد فخلع عليه فى تاسعة بالإيوان، وعاد إلى مخيّمه، وقد فرح النّاس بقدومه. وأجريت عليه وعلى عساكره الجرايات الكبيرة والإقامات الوافرة. وثقل ذلك على شاور ولم يقدر على عمل شيء لما عرفه من ميل العاضد إلى شيركوه؛ وشرع يماطل بما تقرّر لشيركوه ولنور الدّين وهو يركب كلّ يوم إليه ويسير معه، ويعده ويمنّيه.
وعزم على أن يعمل دعوة ويحضر شيركوه وجميع أمرائه، فإذا صاروا إليه قبض عليهم واستخدم من معهم من الجند يمنع بهم الفرنج. فنهاه ابنه شجاع عن ذلك وقال: والله لئن عزمت على هذا لأعرّفنّ شيركوه. فقال: يا بنىّ، والله لئن لم نفعل هذا لنقتلنّ جميعا.
قال: صدقت؛ ولأن نقتل ونحن مسلمون خير من أن نقتل وقد ملكها الفرنج؛ فإنّه ليس بينك وبين عود الفرنج إلاّ أن يسمعوا بالقبض على شيركوه، وحينئذ لو مشى العاضد إلى نور الدّين لم يرسل معه فارسا واحدا. فترك شاور ما عزم عليه.
ولمّا طال مطال شاور على الغزّ اتّفق صلاح الدين يوسف وعز الدّين جرديك على قتل شاور.
واتّفق أنّ شاورا رأى فى منامه كأنّه دخل دار الوزارة فوجد على سرير ملكه رجلا وبين يديه دواته وهو يوقّع، والحاجب بين يديه يتناول منه التوقيع؛ فقال: من هذا الذى جلس فى مجلسى ووقع من دواتى، فقيل له: هذا محمّد رسول الله، ﷺ؛ فقال: وما يصنع محمّد عندى؛ أما كان له فى مملكة غيرى مصنع. ثم إنّه قام إليه وضربه