للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسيفه حتّى قتله وألقاه بظاهر الدّار. فلما استيقظ هاله ما رآه، واستدعى أبا الحسن على بن نصر الارتاحى العابد، وكان نادرا فى علمه، وقصّ عليه ما رأى. فقال له: هؤلاء الّذين فى القصر من نسل رسول الله، ، ويكون هلاكهم على يدك. فأمره بكتمانه؛ فلم يظهر حتّى قتل شاور.

ويقال إنّ العاضد خرج متنكّرا إلى شيركوه وأمره بقتل شاور؛ فركب على عادته إلى شيركوه ومعه الطّبل والبوق وخرج من باب القنطرة. فلمّا صار فى مخيّم الغزّ تلقّاه صلاح الدّين وجرديك فى جماعتهم وأعلموه أنّ أسد الدّين توجّه إلى القرافة، فقال نمضى إليه. فساروا جميعا وصلاح الدّين وجرديك عن يمينه وشماله، وكان اليوم كثير الضّباب، فتناول صلاح الدّين شاور على غرّة هو وجرديك وألقياه عن فرسه إلى الأرض، وأحاط أصحابهما بمن مع شاور فانتهبوهم وفرّوا عنه. وأخذ أسيرا إلى المخيّم، وأرسلوا إلى شيركوه، فحضر. وبلغ ذلك العاضد فأنفذ فى الحال إلى شيركوه أحد الأستاذين بسيف وقال: هذا غلامنا ولا خير فيه لك ولا لنا، فأمض حكم الله فيه. فقتل فى يوم السّبت السابع عشر من ربيع الآخر، وحملت رأسه إلى العاضد (١).

وفرّ الكامل شجاع بن شاور هو وأولاد أخيه إلى القصر، فكان آخر العهد بهم، وأحضرت رءوسهم يوم الاثنين رابع جمادى الأولى. وبعث شيركوه يطلبهم، فأرسل إليه العاضد طبقا من فضّة مغطّى؛ فلمّا كشف عنه وجد فيه رأس شجاع ورءوس أولاد أخيه، فتأسّف على قتل شجاع لما كان يبلغه عنه من منعه أباه من عزمه على الفتك بهم.

وكانت وزارة شاور هذه كثيرة الوقائع والنّوازل فإنّه أطمع الغزّ والفرنج فى البلاد وجرّهم إليها؛ فأحرق مصر وأزال نعم أهلها وأذهب أموالهم؛ وكان السّبب فى إزالة الدّولة الفاطمية من ديار مصر وتملّك الغزّ لها.

وكان مع ذلك منقادا لولده الكامل قد أطلقه وسلّم الأمر إليه بحيث إنّه كان يأتى


(١) يروى أبو شامة عن العماد الأصفهانى الكاتب، وزير صلاح الدين، أن أسد الدين «أنفذ الفقيه عيسى إلى شاور يشير عليه بالاحتراز، وقال له: أخشى عليك من عندى من الناس. فلم يكترث بمقاله، وركب على سبيل انبساطه واسترساله، فاعترضه صلاح الدين فى الأمراء النورية، وهو راكب على عادته فى هيبته الوزيرية، فبغته وشحته، وقبضه وأثبته، ووكل به فى خيمة ضربها له وحاول إمهاله، فجاء من القصر من يطلب رأسه، ويعجل من العمر يأسه، وجاء الرسول بعد الرسول، وأبوا أن يرجعوا إلا بنجح السول، فحم حمامه، وحمل إلى القصر هامه». كتاب الروضتين: ٣٩٨:١.