للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى داره فيحتجب عنه. وكان ضيق العطن، لا يصبر على شيء ممّا ينقل إليه من الأخبار.

وكان إذا سئل وهو فى الخدمة لا يردّ سائلا فى شيء. وكان شديد النّكال إذا عاقب، فتكشّفت فى وزارته الثّانية التى قتل فيها صفحاته، وأحرقت كافّة أهل مصر لفحاته، وأغرقتهم نفحاته فغصّه الدّهر وعضّه، وأوجعه الثّكل وأمضّه. وكان عاقبة أمره القتل والعار، وسوء المنقلب والدّمار.

ثمّ إنّ أسد الدّين ركب بعد قتل شاور بجموعه ودخل إلى القاهرة فى يوم الاثنين تاسع عشر ربيع الآخر يريد لقاء الخليفة العاضد، فهاله ما رأى من كثرة اجتماع النّاس وتخوّف منهم، فأراد أن يفرّقهم، فقال لهم: إنّ أمير المؤمنين قد أمركم بنهب دار شاور؛ فتسارعوا إليها وانتهبوا سائر ما كان فيها. فصعد شيركوه إلى القصر، وخلع عليه العاضد خلع الوزارة ولقّبه بالملك المنصور أمير الجيوش. ونزل إلى دار الوزارة (١) حيث كان ينزل شاور ومن قبله من الوزراء، فلم يجد ما يجلس عليه لما شملها من النّهب. فجلس للهناء وغلب على الأمر.

وخرج إليه التّوقيع بخطّ القاضى الفاضل وإنشائه، فقرأه الجليس ابن عبد القوى قاضى القضاة، على رءوس الأشهاد، وفى أعلاه بخط العاضد: «هذا عهد لا عهد لوزير بمثله، وتقليد طوق أمانة رآك الله وأمير المؤمنين أهلا بحمله؛ والحجّة عليك عند الله بما أوضحه لك من مراشد سبله. فخذ كتاب أمير المؤمنين بقوّة، واسحب ذيل الفخار بأنّ خدمتك اعتزّت بأن اعتزت إلى بنوّة النبوّة؛ واتّخذ أمير المؤمنين للفوز سبيلا، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا (٢)». وهو توقيع كبير (٣).


(١) أنشأها الأفضل بن بدر الجمالى، أمير الجيوش، تجاه رحبة باب العيد من أبواب القصر الشرقى الكبير، وعرفت باسم الدار الأفضلية نسبة إلى منشئها، وأصبحت من بعد الأفضل مقرا لكل من تولى الوزارة. وقيل إن منشئها أمير الجيوش بدر الجمالى، وينفى المقريزى هذا استنادا إلى كتب ابتياعات الأملاك القديمة. ويضيف إلى هذا أن الدار التى بناها بدر كانت بحارة برجوان، وهى الدار التى عرفت باسم دار المظفر. المواعظ والاعتبار: ٤٣٨:١ - ٤٣٩.
(٢) يختلف نص هذا التوقيع عن النص الذى ورد فى كتاب الروضتين: ٤٠٢:١ وهو هناك: «هذا عهد لا عهد لوزير بمثله وتقلد أمانة رآك أمير المؤمنين أهلا لحمله، والحجة عليك عند الله بما أوضحه لك من مراشد سبله. فخذ كتاب أمير المؤمنين بقوة، واسحب ذيل الفخار بأن اعتزت خدمتك إلى بنوة النبوة، واتخذه للفوز سبيلا، ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا». ويتفق النص الذى أورده القلقشندى مع نص كتاب الروضتين. صبح الأعشى: ٤٠٦:٩، وكذلك النص الذى أورده النويرى فى نهاية الأرب: ٢٨.
(٣) جاء منه فى كتاب الروضتين: ٤٠٢:١ - ٤٠٣: ونسخة المنشور «من عبد الله ووليه أبى محمد العاضد لدين الله أمير المؤمنين إلى السيد الأجل الملك المنصور سلطان الجيوش ولى الأئمة مجير الأمة، أسد الدين، كافل قضاة المسلمين، -