للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ ... الآية: جوابُ «لو» محذوفٌ، تقديره: «لرأيت عجبا أو هولا، ونحو هذا، وحذف هذا الجواب أبلغ في نفس السامع، والظَّالِمُونَ لفظٌ عامٌّ في أنواعِ الظلمِ الذي هو كُفْر، و «الغَمَرَاتُ» : جمع غَمْرةٍ، وهي المُصِيبة المُذْهِلة، وهي مشبَّهة بغمرة الماء، والملائكة، يريد: ملائكة قبض الرّوح، وباسِطُوا أَيْدِيهِمْ: كنايةٌ عن مدِّها بالمكروهِ، وهذا المكروهُ هو لا مَحَالة أوائلُ العذابِ، وأماراته، قال ابنُ عبَّاس: يَضْرِبُون وجوههم وأدبارهم، وقوله: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ: حكايةٌ لما تقولُه الملائكة «١» ، والتقدير: يقولون لهم: أخرجوا أنْفُسَكم، وذلك على جهةِ الإهانة، وإدْخَال الرعْبِ عليهم، ويحتملُ: أخرجوا أنفسكُمْ مِنْ هذه المصائبِ والمحنِ، إنْ كان ما زعمتموه حقًّا في الدنيا، وفي ذلك توبيخٌ وتوقيفٌ على سالف فعلهم القبيحِ، قلت: والتأويل الأولُ هو الصحيحُ، وقد أسند أبو عمر في «التمهيد» ، عن ابن وَضَّاحٍ، قال: حدَّثنا أبو بكرِ بْنُ أبي شَيْبة، ثم ذَكَر سنده، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «المَيِّتُ تَحْضُرُهُ المَلاَئِكَةُ، فَإذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، قَالَتِ: اخرجي، أيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةِ كَانَتْ فِي الجَسَدِ الطَّيِّبِ، اخرجي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانٍ، قَالَ: فَلاَ تَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ، ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إلَى السَّمَاءِ، فَيُفْتَحُ لَهَا، فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُون: فُلاَنٌ، فَيُقَالُ: مَرْحَباً بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ، كَانَتْ فِي الجَسَدِ الطَّيِّبِ، ادخلي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ.، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَان، فَلاَ تَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حتى يَنْتَهِيَ بِهَا إلَى السَّمَاءِ، يَعْنِي: السَّابِعَةَ، وَإذَا كَانَ الرُّجُلُ السُّوءُ، وَحَضَرَتْهُ المَلاَئِكَةُ عِنْدَ مَوْتِهِ، قالَتِ/: اخرجي، أيَّتُهَا النَّفْسُ الخَبِيثَةُ، كَانَتْ فِي الجَسَدِ الخَبِيثِ، اخرجي ذَمِيمَةً، وَأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ وَغَسَّاقٍ، وآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٍ، فَلاَ تَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حتى تخرج ... »

وذكر الحديث «٢» . انتهى، والْهُونِ: الهَوَان.

وقوله تعالى: بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ... الآية: لفظ عامٌّ لأنواع الكفر، ولكنه يظهر منه الإنحاءُ على مَنْ قرب ذكره.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ٩٤]]

وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤)


(١) ذكر ابن عطية (٢/ ٣٢٣) بنحوه.
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢/ ١٤٢٣- ١٤٢٤) كتاب «الزهد» ، باب ذكر الموت والاستعداد له، حديث (٤٢٦٢) من حديث أبي هريرة.
وقال البوصيري في «الزوائد» (٣/ ٣١٠- ٣١١) : هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>