وقوله: وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ: معناه: ولا أعلم ما عندك من المعلومات، وما أحَطْتَ به، وذكْر «النفْس» هنا مقابلةٌ لَفْظِيَّةٌ، وفي اللسان العربي يقتضيها الإيجَازُ وهذا ينظر من طَرْفٍ خَفِيٍّ إلى قوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ [آل عمران: ٥٤] واللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة: ١٥] فتسمية العُقُوبَةِ باسم الذَّنْبِ إنما قاد إليها طَلَبُ المُقَابَلَةِ اللفظية، إذ هي من فَصِيحِ الكلام، وبَارِعِ العبارة.
ثم أقر عيسى- عليه السلام- للَّه تعالى بأنه- سبحانه- عَلاَّمُ الغيوب، أي: ولا عِلْمَ لي أنا بغيب.
وقوله: فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي: أي: قبضتني بالرَّفْعِ، والتصيير في السّماء، والرَّقِيبَ:
الحافظ المراعي.
وقوله: فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ: أي: في قدرتك، الْحَكِيمُ في أفعالك.
والمعنى: إن يكن لك في النَّاسِ مُعَذَّبُونَ، فهم عبادك، وإن يكن مغفور لهم، فَعزَّتُكَ وحكمتك تَقْتَضِي هذا كله.
قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ فدخل تحت هذه العِبَارَةِ كل مؤمن باللَّه- سبحانه-، وكُلُّ ما كان أتقى، فهو أَدْخَلُ في العبارة، وجاءت هذه العبارة مُشِيرَةً إلى عيسى- عليه السلام- في حاله، وصدْقه فيحصل له بذلك في المَوْقِفِ شَرَفٌ عظيم، وإن كان اللفظ يعمه وسواه.
ثم ذكر- تعالى- ما أعدَّهُ لهم برحمته، وطوله، جعلنا اللَّه منهم بمَنِّهِ، وسَعَةِ جُودِهِ، لا رَبّ غيره، ولا مرجو في الدَّارَيْنِ سواه، وباقي الآية بَيِّنٌ. جعل اللَّه ما كتبناه من هذه الأحرف نوراً يسعى بين أيدينا بمَنِّهِ. والحمد للَّه كما هو أهْلُهُ، وصلى اللَّه على سيدنا محمد وعلى آله وسلّم.