للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨٩ الى ٩١]

وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١)

وقوله تعالى: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ... الآية الكتاب: القرآن، ومُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ: يعني التوراة، ويَسْتَفْتِحُونَ معناه أن بني إِسرائيل كانوا قبل مَبْعَثِ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد علموا خروجه بما علموا عنْدَهُمْ من صفته، وذكر وقته، وظنُّوا أنه منهم، فكانوا إذا حاربوا الأوْسَ والخَزْرجَ، فغلبتهم العَرَبُ، قالوا لهم: لو قد خرج النبيُّ الذي أظلَّ وقتُهُ، لقاتلْنَاكُم معه، واستنصرنا عليكم به، ويَسْتَفْتِحُونَ: معناه يستنصرون، قال أحمد بن نصر الداوديّ: ومنه: «عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالفَتْحِ» ، أي: بالنصر. انتهى.

وروى أبو بكر/ محمد بن حُسَيْنٍ الاْجُرِّيُّ «١» عن ابن عبَّاس، قال: كانت يهود خيبر


- السادس: أن تكون «ما» نافية أي: فما يؤمنون قليلا ولا كثيرا، ومثله: قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ [السجدة: ٩] ، قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ [النمل: ٦٢] ، وهذا قوي من جهة المعنى، وإنما يضعف شيئا من جهة تقدّم ما في حيّزها عليها، قاله أبو البقاء، وإليه ذهب ابن الأنباري، إلا أنّ تقديم ما في حيزها عليها لم يجزه البصريون، وأجازه الكوفيون. قال أبو البقاء: «ولا يجوز أن تكون «ما» مصدرية، لأن «قليلا» يبقى بلا ناصب» . يعني أنّك إذا جعلتها مصدرية كان ما بعدها صلتها، ويكون المصدر مرفوعا ب «قليلا» على أنه فاعل به فأين الناصب له؟ وهذا بخلاف قوله: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ
[الذاريات: ١٧] فإنّ «ما» هناك يجوز أن تكون مصدرية لأنّ «قليلا» منصوب ب كان. وقال الزمخشري:
«ويجوز أن تكون القلّة بمعنى العدم» .
قال أبو حيان: «وما ذهب إليه من أنّ «قليلا» يراد به النفي فصحيح، لكن في غير هذا التركيب» ، أعني قوله تعالى: فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ [البقرة: ٨٨] لأنّ «قليلا» انتصب بالفعل المثبت فصار نظير «قمت قليلا» أي: قمت قياما قليلا، ولا يذهب ذاهب إلى أنّك إذا أتيت بفعل مثبت وجعلت «قليلا» منصوبا نعتا لمصدر ذلك الفعل يكون المعنى في المثبت الواقع على صفة أو هيئة انتفاء ذلك المثبت رأسا وعدم وقوعه بالكليّة، وإنما الذي نقل النحويون: أنّه قد يراد بالقلة النفي المحض في قولهم: «أقلّ رجل يقول ذلك، وقلّما يقوم زيد» ، وإذا تقرّر هذا فحمل القلة على النفي المحض هنا ليس بصحيح» انتهى. قلت:
ما قاله أبو القاسم الزمخشري- رحمه الله- من أنّ معنى التقليل هنا النفي قد قال به الواحديّ قبله، فإنه قال: «أي: لا قليلا ولا كثيرا، كما تقول: قلّما يفعل كذا، أي: ما يفعله أصلا» .
ينظر: «الدر المصون» (١/ ٢٩٧) .
(١) محمد بن الحسين بن عبد الله، أبو بكر الآجري: فقيه شافعي، محدث، نسبته إلى «آجر» (من قرى-

<<  <  ج: ص:  >  >>