للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهمزَتَيْنِ، ومعنى الاستفهامِ التوبيخُ والتقريرُ، انتهى، قال الفخر: اعْلَمْ أنَّ أهم الأمور وأولاها بالرعايةِ تَرْقِيقُ القلبِ، وإزالَةُ حُبِّ الدنيا منه، ومُشَاهَدَةُ القبورِ تُورِثُ ذلكَ كما ورد/ به الخَبَرُ، انتهى.

وقوله تعالى: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ زَجْرٌ ووعيدٌ، ثم كُرِّرَ تَأكِيداً، ويأخذ كل إنسانٍ من هذا الزجرِ والوعيدِ المُكَرَّرِ على قدر حظِّهِ من التوغُّلِ فيما يُكْرَه هذا تأويل الجمهور، وقال عليٌّ: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ في القبرِ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ في البَعْثِ «١» ، قال الفخر «٢» : وفي الآيةِ تَهْدِيدٌ عظيمٌ للعلماءِ فَإنها دالة على أنه لَوْ حَصَلَ اليقينُ لَتَرَكُوا التكاثُرَ والتَّفَاخُرَ فهذا يَقْتَضِي أنَّ مَنْ لا يتركُ التكاثرَ والتفاخرَ أنْ لاَ يكونَ اليقينُ حَاصِلاً له فالويلُ للعالمِ الذي لا يكون عاقلا ثم الويل له، انتهى.

[سورة التكاثر (١٠٢) : الآيات ٥ الى ٨]

كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)

وقوله تعالى: كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ جوابُ «لو» محذوفٌ تقديرهُ لاَزْدُجِرْتُمْ، [وبَادَرْتُم] إنقاذَ أنفُسِكم من الهَلَكَةِ، واليقينُ أعلى مراتبِ العلم، ثم أخْبَرَ تعالى الناسَ أنَّهُم يَرَوْنَ الجحيمَ، وقال ابن عباس: هذا خطابٌ للمشركينَ والمَعْنَى على هذا التأويلِ: أنها رؤيةُ دخولٍ وصَلْيٍ وَهُوَ عينُ اليقينِ لَهُم «٣» ، وقال آخرونَ: الخطابُ للناسِ كلِّهم، فهي كقوله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مريم: ٧١] فالمعنى أنّ الجميعَ يَرَاها ويجوزُ النَّاجِي وَيَتَكَرْدَسُ فيها الكافرُ، - ص-: لَتَرَوُنَّ ابن عامر والكسائي- بضم التاء-، والباقون بفتحها «٤» ، انتهى.

وقوله تعالى: ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ تأكيدٌ في الخبرِ، وعينُ اليقينِ: حقيقتُه وغايتُه، ثم أخْبَر تعالى أنّ الناسَ مَسْؤولونَ يَوْمَئِذٍ عَنْ نعيمِهم في الدنيا كيفَ نالُوه ولِمَ آثَرُوهُ، وتَتَوَجَّهُ في هذا أسئلةٌ كَثِيرَةٌ بِحَسَبِ شَخْصٍ شَخْصٍ، وهِيَ مُنْقَادَةٌ لِمَنْ أُعْطِيَ فَهْماً في كتاب الله- عز وجل، - وقد قال صلّى الله عليه وسلّم/ لأصحابه: «والّذي نفسي بيده، لتسألنّ عن


(١) أخرجه الطبري (١٢/ ٦٧٩) ، (٣٧٨٧٣) عن علي رضي الله عنه، وذكره ابن عطية (٥/ ٥١٩) .
(٢) ينظر: «مفاتيح الغيب» (٣٢/ ٧٦) .
(٣) أخرجه الطبري (١٢/ ٦٨٠) ، (٣٧٨٧٨) ، وابن عطية (٥/ ٥١٩) .
(٤) ينظر: «السبعة» (٦٩٥) ، و «الحجة» (٦/ ٤٣٤) ، و «إعراب القراءات» (٢/ ٥٢٤) ، و «معاني القراءات» (٣/ ١٦٠) ، و «شرح الطيبة» (٦/ ١٣٣) ، و «العنوان» (٢١٣) ، و «حجة القراءات» (٧٧١) ، و «شرح شعلة» (٦٢٦) ، و «إتحاف» (٢/ ٦٢٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>