للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا

: يتضمَّن الشهاداتِ والأحكامَ والتوسُّطَ بيْنَ الناسِ وغيْرَ ذلك، أي: ولو كان ميل الحقِّ على قراباتكم.

وقوله سبحانه: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ: الإشارة ب هذا هي إلى الشرعِ الذي جَاءَ به نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وقال الطبريُّ «١» : الإشارة هي إلى هذه الوصايا التي تقدَّمت مِنْ قوله: قُلْ تَعالَوْا، وقال ابن مسعود: إن اللَّه سبحانه جَعَلَ طريقه صراطا مستقيما طرفه محمّد صلّى الله عليه وسلّم وشرعه، ونهايتُه الجنَّة، وتتشعَّب منه طُرُقٌ، فمن سَلَك الجادَّة نجا، ومن خَرَج إلى تلْكَ الطرُقِ أفْضَتْ به إلى النَّار «٢» ، وقال أيضاً: خطّ لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يَوْماً خطًّا، فَقَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ» ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِ ذَلِكَ وَعَنْ شِمَالِهِ خُطُوطاً، فَقَالَ: «هَذِهِ سُبُلٌ على كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إلَيْهَا» ، ثم قرأ هذه «٣» الآية.

قال ع «٤» : وهذه الآية تعمُّ أهل الأهواء والبِدَع والشُّذُوذ في الفُرُوع وغير ذلك من أهل التعمُّق في الجَدَلِ، والخَوْضِ في الكلامِ، هذه كلّها عرضة للزّلل، ومظنّة لسوء المعتقد، ولَعَلَّكُمْ ترجٍّ بحسبنا، ومن حيث كانَتِ المحرَّمات الأوَلُ لا يقع فيها عاقلٌ قد نظر بعَقْله، جَاءَتِ العبارةُ: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، والمحرَّمات الأُخَرُ شهواتٌ، وقد يقع فيها من العقلاءِ مَنْ لم يتذكَّر، وركوبُ الجادَّة الكاملة يتضمَّن فعل الفضائلِ، وتلك درجة التقوى.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٥٤ الى ١٥٧]

ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (١٥٤) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (١٥٦) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (١٥٧)


(١) ينظر الطبري (٥/ ٣٩٦) .
(٢) أخرجه الطبري (٥/ ٣٩٧) برقم (١٤١٧٥) ، وذكره البغوي (٢/ ١٤١) نحوه، وابن عطية (٢/ ٣٦٤) ، وابن كثير (٢/ ١٩٠) نحوه، والسيوطي (٣/ ١٠٦) ، وعزاه لعبد الرزاق، وابن جرير، وابن مردويه عن ابن مسعود.
(٣) أخرجه أحمد (١/ ٤٣٥، ٤٦٥) ، والنسائي في «التفسير» (١/ ٤٨٥) رقم (١٩٤) ، والطيالسي (٢٤٤) والطبري (٨/ ٦٥) ، وابن أبي عاصم في «السنة» (١٧) ، والبزار (٢٢١٠- كشف) ، والدارمي (١/ ٦٧- ٦٨) ، وابن حبان (١٧٤١- موارد) ، والحاكم (٢/ ٣١٨) ، وأبو نعيم في «الحلية» (٦/ ٢٦٣) عن ابن مسعود مرفوعا.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ١٠٦) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه.
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٣٦٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>