وقوله تعالى: إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ قال بعض المتأولين: الاستثناءُ متصلٌ، والمعنى: إلا مَنْ تولى فإنَّكَ مُصَيْطِرٌ عليه، فالآيةُ على هذا لا نَسْخَ فيهَا، وقال آخرون:
الاستثناء مُنْفَصِلٌ، والمعنى: لست عليهم بمصيطرٍ لَكِنَّ مَنْ تَولَّى وكفر فيعذبُه اللَّه، وهِي آيةُ مُوَادَعَةٍ مَنْسُوخَةٌ بالسَّيْفِ وهذا هُو القولُ الصحيحُ لأنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ والقِتَالُ إنَّما نَزَلَ بالمدينةِ- ص-: وقرأ زيد بن أسْلَم: «إلا من تولّى» : حرف تنبيه واستفتاحٍ، انتهى، وقال ابن العربيِّ في «أحكامه» : روى الترمذيُّ وغيره أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إله إلاَّ اللَّه، فإذَا قَالُوهَا، عَصَمُوا مِنِّي دَمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ إلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»«١» ، ثم قرأ: فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ مفسِّراً معنى الآيةِ وكاشفاً خفاءَ الخفاءِ عنها، المعنى: إذا قال الناسُ: لا إله إلا اللَّه فَلَسْتَ بمسلَّطٍ على سَرَائرِهم وإنما عَلَيْكَ الظاهِرُ، وَكِلْ سرائرَهم إلى اللَّه تعالى، وهذا الحديثُ صحيحُ المعنى، واللَّه أعلم، انتهى،، وإِيابَهُمْ: مصدر من آب يؤوب: إذا رجع.
(١) أخرجه الطبري (١٢/ ٥٥٨) ، (٣٧٠٥٧) ، وذكره البغوي (٤/ ٤٨١) ، وابن عطية (٥/ ٤٧٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٥٧٨) ، وعزاه لابن جرير عن ابن عبّاس.