للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١٥ الى ١٦]

وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦)

وقوله سبحانه: وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ: اسْتَفْتَحُوا: أي: طلبوا الحُكْم، و «الفَتَّاح» الحاكم، والمعنَى: أنَّ الرسل استفتحوا، أيْ: سألوا اللَّه تبارَكَ وتعالَى إِنفاذَ الحُكْمِ بنصرهم.

وقيل: بلِ استفتح الكفَّارُ على نحو قولِ قريشٍ: عَجِّلْ لَنا قِطَّنا ... [ص: ١٦] وعلى نحو قول أبي جَهْل يوم بَدْرٍ: اللَّهم، أقطعنا للرَّحِمِ، وأتيانا بمَا لاَ نَعْرِفُ، فاحنه الغَدَاةَ، وهذا قولُ ابنِ زيدٍ «١» ، وقرأَتْ فرقةٌ: «واستفتحوا» «٢» - بكسر التاء- على معنى الأمر للرسُلِ، وهي قراءَة ابن عبَّاس ومجاهدٍ وابن مُحَيْصِنٍ: وَخابَ: معناه: خسر ولم ينجح، والجبار: المتعظّم في نفسه، والعنيد: الذي يعاند ولا يناقد.

وقوله: مِنْ وَرائِهِ: قال الطبري «٣» وغيره: مِنْ أمامه، وعلى ذلك حملوا قوله تعالى: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ [الكهف: ٧٩] ، وليس الأمر كما ذكروا، بل الوَرَاءُ هنا وهنَاكَ على بابه، أي: هو/ ما يأتي بَعْدُ في الزمان، وذلك أن التقدير في هذه الحَوَادِثِ بالأَمَامِ والوراءِ، إِنما هو بالزَّمَانِ، وما تقدَّم فهو أمام، وهو بَيْن اليد كما نقول في التوراة والإِنجيل: إنهما بيْنَ يدَي القرآن، والقرآنُ وراءهم، وعلَى هذا فما تأخَّر في الزمَانِ فهو وراء المتقدِّم، وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ: «الصديد» : القَيْح والدمُ، وهو ما يسيلُ من أجْسَادِ أهْلِ النَّار قاله مجاهد «٤» والضّحّاك.

[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١٧ الى ٢١]

يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (٢٠) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١)


(١) أخرجه الطبري (٧/ ٤٢٨) برقم: (٢٠٦٢٦) بنحوه، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٣٠) ، وابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٥٢٦) بنحوه.
(٢) وقرأ بها ابن عباس، ومجاهد، وابن محيصن.
قال أبو الفتح: هو معطوف على ما سبق من قوله تعالى: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ، أي: قال لهم:
استفتحوا.
ينظر: «المحتسب» (١/ ٣٦٠) ، و «الشواذ» ص: (٧٢) ، و «المحرر الوجيز» (٣/ ٣٣٠) ، و «البحر المحيط» (٥/ ٤١٠) ، و «الدر المصون» (٤/ ٢٥٦) .
(٣) ينظر: «تفسير الطبري» (٧/ ٤٢٨- ٤٢٩) .
(٤) أخرجه الطبري (٧/ ٤٢٩) برقم: (٢٠٦٢٧) ، وبرقم: (٢٠٦٣١) بنحوه، وذكر ابن عطية (٣/ ٣٣١) ، وابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٥٢٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٣٨) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في «البعث والنشور» . [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>