للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّه تعالَى عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ جمعه بَيْن هاتين الحَالَتَيْنِ العظيمتين.

وقوله: لاَ تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ: قيل: خَشِيَ عليهم العَيْنَ، لكونهم أحَدَ عَشَر لرجلٍ واحدٍ، وكانوا أهْلَ جمالٍ وبسطة قاله ابن عباس وغيره «١» .

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٦٨ الى ٦٩]

وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَّا كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦٨) وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩)

وقوله سبحانه: وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ، روي أنه لَمَّا ودَّعوا أباهم، قال لهم: بَلِّغوا مَلِكَ مِصْر سَلاَمِي، وقولُوا له: إِنَّ أَبانا يصلِّي عليك، ويَدْعُو لك، ويَشْكُر صنيعك مَعَنَا، وفي كتاب أبي مَنْصُورٍ المهرانيِّ أنه خاطَبَه بكتابٍ قُرِىءَ على يوسف، فبكَى.

وقوله سبحانه: مَّا كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها: بمثابة قولهم: لم يكُنْ في ذلك دَفْعُ قَدَرِ اللَّه، بل كان أرَباً ليعقُوبَ قضاه، فالاستثناء ليس من الأولِ، والحاجةُ هي أنْ يكون طَيِّب النفْس بدخولهم من أبواب متفرِّقة خَوْفَ العين، ونظير هذا الفعْلِ أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سَدَّ كُوَّةً في قَبْرٍ بِحَجَرٍ، وقال: «إِنَّ هَذَا لاَ يُغْنِي شَيْئاً، ولكِنَّهُ تَطْيِيبٌ لِنَفْسِ الحَيِّ» ، ثم أثنى اللَّه عزَّ وجلَّ على يعقوب بأنه لُقِّنَ ما علَّمه اللَّه من هذا المَعْنى، وأن أكثر الناس لَيْسَ كذلك، وقال قتادة: معناه: لَعَامِلٌ بما علَّمناه «٢» ، وقال سفيان: من لا يعمل لاَ يَكُونُ عالماً «٣» .

قال ع «٤» : وهذا لا يعطيه اللفْظُ، أمَّا أنَّه صحيحٌ في نفسه يرجِّحه المعنى وما تقتضيه منزلةُ يعقُوبَ عليه السلام.

وقوله: إِنِّي أَنَا أَخُوكَ قال ابنُ إِسحاق وغيره: أخبره بأنه أخوهُ حقيقةً، واستكتمه، وقال له: لا تبال بكلِّ ما تراه من المَكْروه في تحيّلي في أخذك منهم، وكان


(١) أخرجه الطبري (٧/ ٢٤٩) برقم: (١٩٤٩٦) ، وذكره ابن عطية (٣/ ٢٦١) ، وابن كثير (٢/ ٤٨٤) ، والسيوطي (٤/ ٤٩) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري (٧/ ٢٥٠) برقم: (١٩٥٠٦) ، وذكره ابن عطية (٣/ ٢٦٢) ، وابن كثير (٢/ ٢٨٤) ، والسيوطي (٤/ ٤٩) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.
(٣) أخرجه الطبري (٧/ ٢٥٠) برقم: (١٩٥٠٨) ، وذكره ابن عطية (٣/ ٢٦٢) .
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٢٦٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>