للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كان الإِيمان ممَّا ينطقُ به اللِّسان، ويعتقده القلبُ، حَسُن في الصفاتِ- سَمِيعٌ: من أجل النّطق، وعَلِيمٌ من أجْل المعتقَدِ.

قوله سبحانه: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ... الآية: الوليُّ من: وَلِيَ، فَإِذا لازم أحدٌ أحداً بنَصْره، وودِّه، واهتباله، فهو وليُّه هذا عُرْفُهُ لغةً، ولفظ الآية مترتِّب في الناس جميعاً، وذلك أن منْ آمن منهم، فاللَّه وليُّه، أخرجه من ظلمة الكُفْر إِلى نور الإِيمان، ومَنْ كفر بعد وجودِ الرسول صلّى الله عليه وسلم فَشَيْطَانَهُ ومُغْوِيهِ أخرجه من الإِيمان إِذ هو معدٌّ وأهل للدخول فيه، ولفظ الطاغوت في هذه الآيةِ يَقْتَضِي أنَّه اسم جنْسٍ ولذلك قال: أَوْلِياؤُهُمُ بالجمع إذ هي أنواع.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٥٨ الى ٢٥٩]

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩)

قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ ... الاية: أَلَمْ تَرَ: تنبيهٌ، وهي رؤية القَلْب، والَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ، هو نُمْرَوذُ بْنُ كَنْعَانَ «١» مَلِكُ زمانه، وصاحبُ النَّار، والبَعُوضَةِ، قاله مجاهد وغيره «٢» ، قال قتادة: هو أولُ من تجبَّر، وهو صاحبُ الصَّرْح بِبَابِلَ «٣» ، قيل: إِنه مَلكَ الدُّنْيَا بأجمعها، وهو أحد الكَافِرَيْنِ، والآخر بُخْتَ نَصَّرَ «٤» ، وقيل: إِن النُّمْرُوذَ الذي حاجَّ إِبراهيم هو نُمْرُوذُ بْنُ فَالخ، وفي قصص هذه


(١) وهو نمروذ بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح ملك بابل الجبار، وهو أول من وضع التاج على رأسه، وتجبر في الأرض وادعى الربوبية. ينظر: «تفسير ابن كثير» (١/ ٣١٣) ، و «الطبري» (٥/ ٤٣٠) .
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ٢٥) برقم (٥٨٦٢) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (١/ ٢٤١) بنحوه، وابن عطية في «تفسيره» (١/ ٣٤٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (١/ ٥٨٥) ، وعزاه لابن جرير.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ٢٦) برقم (٥٨٦٧) ، وذكره ابن عطية (١/ ٣٤٤) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (١/ ٥٨٤) ، وعزاه لابن جرير.
(٤) «بختنصر البابلي» : كان في ابتداء أمره مسكينا صعلوكا مريضا عالجه رجل كان يقرأ الكتب من بني إسرائيل، أرسله ملك الفرس في عسكر إلى الشام، وأمّره عليهم، فساروا وغنموا وعادوا سالمين، فلما كثرت في بني إسرائيل الأحداث والمعاصي دخل بخت نصر وجنوده «بيت المقدس» ، فقتل بني إسرائيل-

<<  <  ج: ص:  >  >>