للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله سبحانه: الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ ... الآية، يحتمل أنْ يكون الَّذِي بدلاً من كَفَّارٍ، أو صفةً له، وَيَقْوَى عندي أَنْ يكونَ الَّذِي ابتداءً ويتضمن القولُ حينئذ بني آدم والشياطينَ المغوينَ لهم في الدنيا، ولذلك تَحَرَّكَ القرينُ، الشيطانُ المُغْوِي، فرام أَنْ يُبْرِىءَ نفسه ويخلصها بقوله: رَبَّنا مَا أَطْغَيْتُهُ.

وقوله: رَبَّنا مَا أَطْغَيْتُهُ ليست بحجة لأَنَّهُ كَذَبَ أَنْ نفى الإطغاء عن نفسه جملةً، وهو قد أطغاه بالوسوسة والتزيينِ، وأَطغاه اللَّه بالخلق والاختراع حسب سابق قضائه الذي هو عدل منه، سبحانه لا رَبَّ غيرُه.

وقوله سبحانه: لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ معناه: قال اللَّه: لا تختصموا لديَّ بهذا النوع من المقاولة التي لا تفيد شيئاً وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ وهو ما جاءت به الرسلُ والكتب، وجُمِعَ الضمير لأَنَّه مخاطبة لجميع القرناء إذ هو أمر شائع لا يقف على اثنين فقط.

[سورة ق (٥٠) : الآيات ٢٩ الى ٣١]

ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١)

وقوله سبحانه: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ أي: لا ينقض ما أبرمه كلامي من تعذيب الكفرة، ثم أزال سبحانه موضعَ الاعتراض بقوله: وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ أي: هذا عدل فيهم لأَنِّي أنذرت، وأمهلت، وأنعمتُ، وقرأ الجمهور: «يَوْمَ نَقُولُ» بالنون، وقرأ نافعٌ وعاصم في رواية أبي بَكْر بالياء، وهي قراءة أهل المدينة «١» ، قال ع «٢» : والذي يترجَّحُ في قول جهنم: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ أَنَّها حقيقة، وأَنَّها قالت ذلك، وهي غير ملأى، وهو قول أنس بن مالك، ويبين ذلك الحديث الصحيح، وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «يَقُولُ اللَّهُ لِجَهَنَّمَ: هَلِ امْتَلأْتِ؟ وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟! حَتَّى يَضَعَ الجَبَّارُ فِيهَا قَدَمَهُ، فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، وَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ» «٣» ولفظ البخاريِّ عن أبي هريرةَ قال: قَالَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم:


(١) ينظر: «السبعة» (٦٠٧) ، و «الحجة» (٦/ ٢١٣) ، و «معاني القراءات» (٣/ ٢٧) ، و «شرح الطيبة» (٦/ ١٧) ، و «العنوان» (١٧٩) ، و «حجة القراءات» (٦٧٨) ، و «شرح شعلة» (٥٨٨) ، و «إتحاف» (٢/ ٤٨٩) .
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ١٦٥) .
(٣) أخرجه البخاري (١١/ ٥٥٤) كتاب «الأيمان والنذور» باب: الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته، برقم:
(٦٦٦١) ، ومسلم (٤/ ٢١٨٧) كتاب «الجنة وصفة نعيمها وأهلها» : باب: النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (٣٧، ٣٧- ٣٨/ ٢٨٤٨) ، والترمذي (٥/ ٣٩٠) كتاب «تفسير القرآن» باب: ومن سورة ق (٣٢٧٢) ، وأحمد (٣/ ١٣٤، ١٤١، ٢٢٩، ٢٣٠، ٢٣٤) ، والخطيب في «تاريخ بغداد» (٥/ ١٢٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>