للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونفَى سبحانه محبَّته عَمَّنْ صفته الخُيَلاءُ والفَخْر، وذلك ضَرْبٌ من التوعُّد، يقال:

خَالَ الرَّجُلُ يَخُولُ خَوْلاً، إِذا تكبَّر وأُعْجِبَ بنفسه، وخَصَّ سبحانه هاتين الصفتين هنا إذا مقتضاهما العُجْبُ والزَّهْو، وذلك هو الحَامِلُ عَلَى الإِخلال بالأصْنَافِ الذين تَقدَّم أَمْرُ اللَّه بالإِحسان إِلَيْهم.

وقوله تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ... الآية: قالتْ فرقةٌ:

«الذين» في موضعِ نَصْبٍ بدلٍ مِنْ «مَنْ» في قوله: مَنْ كانَ مُخْتالًا، ومعناه على هذا:

يبخَلُونَ بأموالهم، ويأمرون الناس، يَعْنِي: إِخوانَهُمْ ومَنْ هو مَظِنَّة طاعتهم بالبُخْل بالأموال أَنْ تُنْفَقَ في شَيْءٍ من وُجُوه الإِحسان إِلى مَنْ ذَكَر، وَيَكْتُمُونَ مَآ آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، يعني: مِنَ الرِّزْقِ والمالِ، فالآيةُ، إِذَنْ، في المؤمنين، أي: وأما الكافِرُونَ فأعدَّ لهم عذاباً مُهِيناً، وروي أنَّ الآية نزلَتْ في أحبارِ اليَهُود بالمدينةِ إذ كتموا أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وبخلوا به، والتوعّد بالعذاب المهين لهم، وأَعْتَدْنا: معناه يَسَّرْنَا وأحْضَرْنَا، والعَتِيدُ: الحَاضِرُ، والمُهِينُ: الذي يَقْتَرِنُ به خِزْيٌ وذُلٌّ، وهو أنْكَى وأشدّ على المعذّب.

[سورة النساء (٤) : الآيات ٣٨ الى ٣٩]

وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨) وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩)

وقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ ... الآية: «الَّذِينَ» في موضعِ رَفْعٍ على القطع، والخبرُ محذوفٌ، وتقديره، بعد «اليوم الآخر» : مُعَذَّبُونَ.


- ويشهد له حديث أبي اليسر، رواه مسلم (٤/ ٢٣٠١- ٢٣٠٣) في الزهد: باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر (٧٤- ٣٠٠٦، ٣٠٠٧) ، والبخاري في «الأدب المفرد» (١٨١) ، والطبراني في «الكبير» (١٩/ ١٦٨- ١٦٩) برقم (٣٧٩) ، والطحاوي (٤/ ٣٥٦) ، وابن أبي شيبة (٧/ ١١) من طريق حاتم بن إسماعيل: ثنا يعقوب بن مجاهد عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عنه.
كما يشهد له حديث جابر، رواه البخاري في «الأدب المفرد» (١٨٢) ، (١٩٢) من طريق مروان بن معاوية: ثنا الفضل بن مبشر قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوصي بالمملوكين خيرا، ويقول: «أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم من لبوسكم، ولا تعذبوا خلق الله» .
ويشهد له أيضا حديث يزيد بن جارية، رواه أحمد (٤/ ٣٥- ٣٦) ، والبخاري في «التاريخ الكبير» (٥/ ٣٦٤) عن سفيان عن عاصم (يعني ابن عبيد الله) عن عبد الرّحمن بن يزيد عن أبيه.
وقال الهيثمي في المجمع (٤/ ٢٣٧) : رواه أحمد والطبراني عن يزيد بن جارية، وفيه عاصم بن عبيد الله، وهو ضعيف. ويشهد له حديث رجل من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، رواه البخاري في «الأدب المفرد» (١٨٤) ، وأحمد (٥/ ٥٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>