ورحمته وتنعيمُهُ طريقُهُ، وإِلى ذلك مصيره، و «طريقٌ قَاصِد» : معناه: بيِّنٌ مستقيمٌ قريبٌ، والألف واللام في السَّبِيلِ، للعهد، وهي سبيلُ الشرْعِ.
وقوله: وَمِنْها جائِرٌ: يريد طريقَ اليهودِ والنصارَى وغيرِهِم، فالضمير في مِنْها يعود على السُّبُلُ التي يتضمَّنها معنى الآية.
وقوله سبحانه: فِيهِ تُسِيمُونَ: يقال: أَسَامَ الرَّجُلُ مَاشِيَتَهُ إِذا أرسلها ترعى.
[سورة النحل (١٦) : الآيات ١٣ الى ١٧]
وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤) وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧)
وقوله سبحانه: وَما ذَرَأَ لَكُمْ: ذرأ: معناه: بثّ ونشر.
ومُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ أي أصنافه، ويحتمل أنْ يكون التنبيهُ على اختلاف الألوان من حُمْرةٍ وصُفْرةٍ وغير ذلك، والأول أبْيَنُ.
وقوله سبحانه: وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ: البَحْر: الماءُ الكثيرُ، ملْحاً كان أو عَذْباً.
قال ابنُ العربيِّ في «أحكامه» «١» : قولُهُ تعالى: وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها:
يعني به اللؤلُؤَ والمَرْجان، وهذا امتنان عامٌّ للرجال والنساء، فلا يحرم عليهم شيء من ذلك. انتهى. ومَواخِرَ: جمعَ مَاخِرَة، والمَخْر في اللغة: الصَّوْت الذي يكون من هبوبِ الريح علَى شيءٍ يشقُّ أو يصحب في الجملة الماءَ فيترتَّب منه أنْ يكون المَخْر من الريحِ، وأنْ يكون من السفينةِ ونحوها، وهو في هذه الآيةِ من السّفن، وقال بعض النحاة:
المخر في كلامِ العرب: الشَّقُّ يقال: مَخَرَ المَاءُ الأَرْضَ، وهذا أيضاً بيِّن أن يقال فيه للفلْكِ مَوَاخِر.
وقوله: وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ: يحتملُ: تهتدون في مشيكم وتصرّفكم في السّبل،
(١) ينظر: «أحكام القرآن» (٣/ ١١٤٨) .