البُنُوَّة في قولهم هذا: بنوةُ الحَنَانِ والرأفة، لأنهم ذكروا أن اللَّه سبحانه أوحى إلى إسرائيل أن أول أولادك بكري فضلّوا بذلك، وقالوا: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، ولو صح ما رَوَوْا، لكان معناه: بِكْراً في التشريف أو النبوَّة، ونحوه، وكانت هذه المقالة منهم عند ما دعاهم النبيُّ- عليه السلام- إلى الإيمان به، وخوفِهِم العذابَ، فقالوا: نحن لا نخافُ ما تقول لأنا أبناء اللَّه وأحبَّاؤه ذكر ذلك ابن عباس «١» ، وقد كانوا قالوا للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غير ما موطنٍ: نحن نَدْخل النار، فنقيم فيها أربعين يوماً، فردَّ اللَّه عليهم قولهم، فقال لنبيه- عليه السلام-: قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ/ بِذُنُوبِكُمْ: أي: لو كانتْ منزلتكم منه فوق منازِلِ البَشَر، لَمَا عذَّبكم، وأنتم قد أقررتم أنه يعذِّبكم، ثم ترك الكلامَ الأوَّل، وأضرب عنه غَيْرَ مفسدٍ له، ودخل في غيره، فقال: بَلْ أنتم بشَرٌ كسائر الناسِ، والخلقُ أكرمُهم عند اللَّه أتقاهم، يهدي من يشاء للإيمان، فيغفرُ له ويُورِّطُ من يشاء في الكُفْر، فيعذِّبه، وله ملك السموات والأرض وما بينهما، فله بحق المُلْك أنْ يفعل ما يشاء، ولا معقِّب لحُكْمه، وإليه مصير العباد بالحشر والمعاد.
وقوله: عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ: أي: على انقطاعٍ من مجيئهم مدَّةً ما، والفترة:
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٥٠٥) (١١٦١٦) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢/ ١٧٢) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٤٧٦) ، وعزاه لابن إسحق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «الدلائل» عن ابن عباس.