ومنها: كلامه على تخصيص العموم، وأن العامَّ المخصَّص حُجَّةٌ في غَيْر محلِّ التخصيص، ونقل عن الرازي قوله: وقد ثَبَتَ في أصول الفقْهِ أنه إذا وقع التعارُضُ بَيْن الإجمال والتَّخْصِيص، كان رَفْع الإجمال أولى لأنَّ العامَّ المخصَّص حُجَّةٌ في غَيْر محلِّ التخصيص، والمُجْمَلُ لا يكونُ حُجَّةً أصلا. ثم قال الثعالبي: وهو حسن.
قدمنا أن الثعالبي- رحمه الله- نقل من أحكام القاضي ابن العربي، ولم لا فالرجل مذهبه مالكي مثله، ولا غرو، فكان بدهيا أن ينقل ما يخص آيات الأحكام، ويذكر خلاف أهل العلم فيها.
ومن ذلك: آية الوضوء والطهارة، وهي الآية السادسة من سورة المائدة، فنجد الثعالبي يقول: قال ابن العربي في أحكامه ... ثم حكى كلامه، ونقل المسائل الفقهية منه، ومنها: قوله: واختلف العلماءُ هل تدخُلُ المرافِقُ في الغُسْلِ أم لا ... واختلفَ في رَدِّ اليدَيْنِ في مَسْح الرَّأْسِ هل هو فرض أو سنة؟ ...
فقال: قال مالك، والشافعيُّ، وأحمدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وابنُ رَاهَوَيْهِ: تُقْصَرُ الصلاةُ في أربعةِ بُرُدٍ، وهي ثمانيةٌ وأربعون ميلاً، وحُجَّتهم: أحاديثُ رُوِيَتْ في ذلك عن ابن عمر، وابن عباس. وقال الحسنُ، والزُّهْريُّ: تُقْصَرُ في مسيرةِ يَوْمَيْنِ. وروي هذا أيضاً عن مالكٍ، وروي عنه: تُقْصَر في مسافة يوم وليلة.
ثم قال: وهذه الأقوالُ الثلاثةُ تتقارَبُ في المعنى، والجمهورُ على جواز القصر في السّفر المباح ... إلخ.
ومنها: تعرضه لشهادة القاذف إذا تاب، وذلك في تفسير سورة النور، عند قوله تعالى: وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ [النور: ٤- ٥] . وحكى عن الجمهور قبول شهادته إذا تاب. قال: ثم اختلفوا في صورة توبته: فقيل: بأن يُكَذِّبَ نَفْسَه، وإلاَّ لم تُقْبَلُ، وقالت فرقةٌ منها مالك: توبته أن يَصْلُحَ وتَحْسُنَ حالُه، وإنْ لم يرجع عن قوله بتكذيب. واختلف فقهاءُ المالكيَّةِ متى تسقط شهادة القاذفِ، فقال ابن الماجشون: