للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر الطبريُّ «١» عن قوم أَنَّ الأمَّة الطريقة، ثم ضرب الله المثل لنبيّه محمّد ع وجعل له الأُسْوَةَ فيمن مضى من النذر والرسل وذلك أَنَّ المُتْرَفِينَ من قومهم، وهم أهل التنعُّم والمال، قد قابلوهم بِمِثْلِ هذه المقالة، وفي قوله عز وجل: فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ ...

الآية: وعيدٌ لقريشٍ، وضَرْبُ مَثَلٍ لهم بِمَنْ سَلَفَ من الأمم المُعَذَّبَةِ المُكَذِّبَةِ لأنبيائها.

[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٢٦ الى ٢٨]

وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧) وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨)

وقوله سبحانه: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ المعنى: واذكر إذ قال إبراهيم لأبيه وقومه:

إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ أي: فافعل أنْتَ فِعْلَهُ، وتَجَلَّدْ جلده، وبَراءٌ: صفة تجري على الوَاحِدِ والاثْنَيْنِ والجَمْعِ كَعَدْلٍ وَزَوْرٍ، وقرأ ابن مسعود: «بَرِيءٌ» «٢» .

وقوله: «إلا الذي فطرني» قالت فرقة: الاستثناء مُتَّصِلٌ، وكانوا يعرفون اللَّه ويُعَظِّمُونه، إلاَّ أَنَّهم كانوا يشركون معه أصنامهم، فكأَنَّ إبراهيم قَالَ لهم: أنا لا أوافقكم إلاَّ على عبادة اللَّه الذي فطرني، وقالت فرقة: الاستثناء مُنْقَطِعٌ، والمعنى: لكنَّ الذي فطرني هو معبودي الهادي المُنْجي من العذاب، وفي هذا استدعاءٌ لهم، وترغيبٌ في طاعةِ اللَّه، وتطميع في رحمته.

والضمير في قوله: وَجَعَلَها كَلِمَةً ... الآية، قالت: فرقة: هو عائد على كلمته بالتوحيد في قوله: إِنَّنِي بَراءٌ وقال مجاهد وغيره: المراد بالكلمة: لا إله إلا اللَّه «٣» ، وعاد عليها الضمير، وإنْ كان لم يجر لها ذكر لأَنَّ اللفظ يتضمَّنها، والعَقِبُ: الذُّرِّيَّةُ، ووَلَدُ الوَلَدِ ما امتدَّ فرعهم.

[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٢٩ الى ٣٥]

بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (٢٩) وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (٣٠) وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢) وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣)

وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥)


(١) ينظر: «تفسير الطبري» (١١/ ١٧٦) .
(٢) وقرأ بها الأعمش.
ينظر: «مختصر الشواذ» ص: (١٣٦) ، و «المحرر الوجيز» (٥/ ٥١) ، و «البحر المحيط» (٨/ ١٣) ، و «الدر المصون» (٦/ ٩٦) .
(٣) أخرجه الطبري (١١/ ١٧٩) برقم: (٨٠٨١٨- ٨٠٨١٩) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ١٣٧) ، وابن عطية (٥/ ٥٢) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٧٢٠) ، وعزاه إلى عبد بن حميد.

<<  <  ج: ص:  >  >>