التي هي إِخْرَاجُهُ من بيته بالقِصَّةِ المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأَنْفَال، كأنهم سألوا عن النَّفَلِ، وتشاجروا، فأَخرج اللَّه ذلك عنهم، فكانت فيه الخِيَرَةُ، كما كَرِهُوا في هذه القصة انبعاث النبي صلّى الله عليه وسلّم فأخرجه اللَّه من بَيْتِهِ، فكانت في ذلك الخِيَرَةُ، وعلى هذا التأويل يُمْكِنُ أن يكون قوله: يُجادِلُونَكَ كلاماً مُسْتَأْنَفاً يراد به الكفار، أي: يجادلونك في شريعة الإسلام من بَعْد ما تَبَيَّنَ الحَقُّ فيها، كأنما يساقون إلى المَوْتِ في الدُّعَاءِ إلى الإيمان، وهذا الذي ذكرت من أن يُجادِلُونَكَ في الكُفَّار منصوص.
وقال مجاهد وغيره: المعنى في الآية: كما أخرجك ربك من بَيْتِكَ على كَرَاهِيَةٍ من فريق منهم، كذلك يُجَادِلُونَكَ في قتال كفار «مكة» ، ويوَدُّونَ غير ذَاتِ الشَّوْكَة من بعد ما تَبَيَّنَ لهم أنك إنما تفعل ما أمرت به لا ما يُريدُون «١» هم، وقائل هذه المَقَالَةِ يقول: إن المجادلين هم المؤمنون، وقائل المقالة الأولى يقول: إن المُجَادِلِينَ هم المشركون، وهذان القولان يتم بهما المَعْنَى، ويحسن رَصْفُ اللفظ.
وقيل غير هذا.
وقوله: مِنْ بَيْتِكَ يريد من «المدينة»«يثرب» قاله الجمهور.
وقوله سبحانه: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ ... الآية: في هذه الآية قَصَصٌ حَسَنٌ، محل استيعابه «كتاب سيرة رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم» لابن هشام، واختصاره: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما بلغه، وقيل: أوحي إليه أن أبا سُفْيَانَ بن حَرْبٍ، قد أَقبل من «الشام» بالعِيرِ التي فيها تجارة قُرَيْشٍ وأموالها قال لأصحابه: إن عِيرَ قريش قد عَنّتْ لكم، فاخرجوا إليها، لعل اللَّه أن يَنْفُلَكُمُوها. قال: فانبعث معه من خَفَّ، وثَقُلَ قوم، وكرهوا الخروج، وأسرع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يَلْوِي على من تَعَذَّرَ، ولا ينظر من غاب ظهره، فسار في ثلاث
(١) أخرجه الطبري (٦/ ١٨٠- ١٨١) برقم: (١٥٧١٤) بنحوه، وذكره ابن عطية (٢/ ٥٠٢) ، وابن كثير (٢/ ٢٨٧) بنحوه، والسيوطي (٣/ ٣٠٠) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.