للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ: تكذيبٌ لهم وتوعُّد، أي:

فهو سبحانَهُ مجازيهم، فأَعْرِضْ عنهم، وعظْهم بالتَّخْوِيفِ مِنْ عذابِ اللَّه وغيره من المَوَاعظ.

وقوله سبحانه: وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ.

قال ص: أي: قل لهم خالياً بِهِمْ لأنَّ النُّصْح، إذا كان في السِّرِّ، كان أَنْجَحَ، أو: قُلْ لهم في حال أنفُسِهِمُ النَّجِسَةِ المنطويةِ على النِّفاق قولاً يَبْلُغُ منهم الزَّجْر عن العَوْد إلى ما فَعَلوا. انتهى.

واختلف في «القَوْلِ البَلِيغِ» ، فقيل: هو الزجْرُ والردْعُ والكَفُّ بالبَلاَغَةِ من القَوْل، وقيل: هو التوعُّد بالقَتْل، إن استداموا حالة النِّفَاق قاله الحسن «١» ، وهذا أبْلَغُ ما يكون في نُفُوسهم، والبَلاَغَةُ مأخوذةٌ من بلوغ المراد بالقول.

[[سورة النساء (٤) : آية ٦٤]]

وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (٦٤)

وقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ: تنبيهٌ على جلالة الرُّسُل، أي: فأنْتَ، يا محمَّد، منهم تَجِبُ طاعَتُكَ، وتتعيّن إجابة الدعوة إليك، وبِإِذْنِ اللَّهِ:

معناه: بأمر الله، وظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ: أيْ: بالمعصيةِ، والنِّفَاق، وعن العتبيِّ، قال: كنت جالسا عند قبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْتُ اللَّهَ تعالى يَقُولُ: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً، وقَدْ جِئْتُكَ مُسْتَعْفِياً مِنْ ذُنُوبِي، مُسْتَغْفِراً إلى رَبِّي، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: [البسيط]

يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ بِالْقَاعِ أَعْظُمُهُ ... فَطَابَ مِنْ طِيبِهِنَّ القَاعُ وَالأََكَمُ

نَفْسي الفِدَاءُ لِقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنُهُ ... فِيهِ العَفَافُ، وَفِيهِ الجُودُ وَالكَرَمُ

قال: ثُمَّ انصرف، فَحَمَلَتْنِي عَيْنَايَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لِي: «يَا عُتْبِيُّ:

الحق الأَعْرَابِيَّ، فَبَشِّرْهُ أنَّ اللَّهَ تعالى قَدْ غَفَرَ لَهُ» . انتهى من «حلية النوويِّ» ، و «سُنَنِ الصَّالحين» للباجيِّ، وفيه: مُسْتَغْفِراً مِنْ ذُنُوبِي، مستشفعاً بك إلى ربّي.


(١) ذكره البغوي (١/ ٤٤٨) ، وابن عطية (٢/ ٧٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>