للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليك قال الداوديّ: وما روي عن ابن مسعود من أنه سَيُنْزَعُ القرآنُ من الصدور، وتُرْفَعُ المصاحف «١» لا يَصِحُّ وإِنما قال سبحانه: وَلَئِنْ شِئْنا فلم يشأ سبحانه، وفي الحديث عنه صلّى الله عليه وسلّم: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ، وَهُمْ ظَاهِرُونَ» «٢» قال البخاريُّ: وهم أهل العِلْم، ولا يكون العلم مع فقد القرآن. انتهى كلام الداوديّ، وهو حَسَن جدًّا، وقد جاء في الصحيح ما هو أبْيَنُ من هذا، وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْتَزِعُ العِلْمَ انْتِزَاعاً ولَكِنْ يقبض العلم بقبض العلماء ... «٣» ، الحديث.

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٨٨ الى ٨٩]

قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨) وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٨٩)

وقوله سبحانه: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ ...

الآية: سببُ هذه الآية أنَّ جماعة من قريش قالوا للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لَوْ جِئْتَنَا بآيةٍ غَرِيبَةٍ غَيْرِ هذا القرآن، فإِنا نَقْدِرُ نَحنُ عَلَى المَجِيءِ بمثله، فنزلَتْ هذه الآية المصرِّحة بالتعجيز لجميع الخلائق.

قال ص: واللام في لَئِنِ اجْتَمَعَتِ اللام الموطِّئة للقسم، وهي الداخلة على الشرطِ، كقوله: لَئِنْ أُخْرِجُوا [الحشر: ١٢] وَلَئِنْ قُوتِلُوا [الحشر: ١٢] والجوابُ بعدُ للقَسَمِ لتقدُّمه، إِذا لم يسبق ذو خبره لا للشرطِ، هذا مذهبُ البصريِّين خلافاً للفراء في إجازته الأَمرين، إِلا أنَّ الأكثر أنْ يجيء جواب قَسَمٍ، «والظهير» المعين.

/ قال ع «٤» : وفهمت العرب الفصحاء بُخُلوصِ فهمها في مَيْزِ الكلامِ وَدُرْبتها به


(١) أخرجه الطبري (٨/ ١٤٤) برقم: (٢٢٦٩٠) ، وذكره ابن عطية (٣/ ٤٨٢) ، وذكره ابن كثير (٣/ ٦٢) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٣٦٣) ، وعزاه لسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) أخرجه البخاري (١/ ٢٣٤) كتاب «العلم» باب: كيف يقبض العلم، حديث (١٠٠) ، وفي (١٣/ ٢٩٥) كتاب «الاعتصام» باب: ما يذكر من ذم الرأي، حديث (٧٣٠٧) ، ومسلم (٤/ ٢٠٥٨) كتاب «العلم» باب: رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن، حديث (١٣/ ٢٦٧٣) ، والترمذي (٥/ ٣١) ، كتاب «العلم» باب: ما جاء في ذهاب العلم، حديث (٢٦٥٢) ، وابن ماجه (١/ ٢٠) «المقدمة» باب: اجتناب الرأي والقياس، حديث (٥٢) ، والدارمي (١/ ٧٧) ، وأحمد (٢/ ١٦٢، ١٩٠) ، والبغوي في «شرح السنة» (١/ ٢٤٧- بتحقيقنا) ، من حديث عبد الله بن عمرو، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٤٨٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>