للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: وَالَّذِينَ: يراد به ما عُبِدَ من دون اللَّه، والضَّمير في يَدْعُونَ لكفَّار قريشٍ وغيرهم، ومعنى الكَلاَمِ: والذين يدعونهم الكفَّارُ في حوائجهم ومنافعهم لا يجيبونهم بِشَيْءٍ إِلاَّ، ثُمَّ مَثَّلَ سبحانه مثالاً لإِجابتهم بالذي يَبْسُطُ كَفَّيْهِ نحو الماء، ويشير إِليه بالإِقبال إِلى فيه، فلا/ يبلغ فَمَهُ أَبداً، فكذلك إِجابة هؤلاء والانتفاعُ بهم لا يَقَعُ.

وقوله: هُوَ: يريد به الماءَ، وهو البالغُ، والضمير في بِبالِغِهِ للفم، ويصحُّ أنْ يكون هو يراد به الفم، وهو البالغ أيضا، والضمير في بِبالِغِهِ للماء لأن الفم لا يَبْلُغ الماء أبداً على تلك الحال، ثم أخبر سبحانه عن دعاءِ الكافرين أنه في انتلاف وضلالٍ لا يفيد.

[سورة الرعد (١٣) : الآيات ١٥ الى ١٨]

وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦) أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ (١٧) لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٨)

وقوله تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... الآية: تنبيهٌ على قدرته وعظمته سبحانه، وتسخيرِ الأشياءِ له، والطَّعْنِ على الكفَّار التارِكِينَ للسّجود، ومَنْ:

تَقَعُ على الملائكةِ عموماً، و «سُجُودُهُمْ» : طوع، وأما أهْلُ الأرض، فالمؤمنون داخلُونَ في مَنْ، وسجودُهم أيضاً طَوْع، وأما سجودُ الكَفَرة، فهو الكَرْه، وذلك على معنيين، فإِن جعلنا السجُودَ هذه الهيئة المعهودَةَ، فالمراد من الكَفَرَة مَنْ أسلم، خَوْفَ سيفِ الإِسلام كما قاله قتادة «١» ، وإِن جعلنا السُّجود الخضُوعَ والتذلُّل، حَسَب ما هو في اللغة، فيدخلُ الكفَّار أجمعون في مَنْ لأنه ليس من كافرٍ إِلا ويلحقه من التذلُّل والاستكانة لقدرة اللَّه تعالى أنواعٌ أكثر من أنْ تحصَى بحسب رَزَايَاهُ، واعتباراته.

وقوله سبحانه: وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ: إِخبار عن أنّ الظّلال لها سجود لله


(١) ذكره ابن عطية (٣/ ٣٠٦) ، والسيوطي (٤/ ١٠١) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>