للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لإستنقاذِهِمْ، ويعني ب «المستضْعَفِينَ» : مَنْ كان بمكَّة تحت إذلال كفرة قريش، وفيهم كان صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينِ» «١» ، وَالْوِلْدانِ: عبارة عن الصبيان، والْقَرْيَةِ هنا: مَكَّةٌ بإجماعٍ، والآيةُ تتناوَلُ/ المؤمنين والأسرى في حواضِرِ الشِّرْك إلى يوم القيامة.

قال ابنُ العربيِّ «٢» في «أحكامه» : قال علماؤُنَا (رحمهم اللَّه) : أوجَبَ اللَّهُ تعالى في هذه الآيةِ القِتَالَ لإستنقاذ الأسرى مِنْ يَدِ العدُوِّ، وقد روى الأئمّة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:

«أَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ، وَفُكُّوا العَانِيَ» «٣» . يعني: الأسيرَ، قال مالكٌ (رحمه اللَّه) : علَى النَّاسِ أَنْ يَفُكُّوا الأسرى بجميعِ أموالِهِمْ وكذلك قالُوا: عليهمْ أنْ يُوَاسُوهُمْ.

انتهى.

وقوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... الآية: هذه الآيةُ تقتضِي تقْويَةَ قُلُوبِ المؤمِنِينَ وتَحريضَهُمْ، وقَرِينَةُ ذِكْرِ الشيطانِ بَعْدُ تدُلُّ على أَنَّ المرادَ بالطَّاغُوتِ هنا الشيطانُ، وإعلامُهُ تعالى بضَعْفِ كيدِ الشيطانِ فيه تقويةٌ لقلوب المؤمنِينَ، وتجرِئَةٌ لهم على مُقَارَعَةِ الكيدِ الضعيفِ فإنَّ العزم والحَزْم الذي يكون على حقائق الإيمان يكسره ويهدّه.

[سورة النساء (٤) : الآيات ٧٧ الى ٧٨]

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧٧) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨)


(١) أخرجه البخاري (٢/ ٥٧٢) ، كتاب «الاستسقاء» ، باب دعاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف» ، حديث (١٠٠٦) ، ومسلم (١/ ٤٤٦- ٤٤٧) ، كتاب «المساجد» ، باب استحباب القنوت، حديث (٢٧٥/ ٢٩٥) من حديث أبي هريرة.
(٢) ينظر: «أحكام القرآن» (١/ ٤٥٩) .
(٣) أخرجه البخاري (٦/ ١٩٣) في الجهاد: باب فكاك الأسير (٣٠٤٦) ، و (٩/ ١٤٩) في النكاح: باب حق إجابة الوليمة والدعوة (٥١٧٤) ، و (٩/ ٤٢٧) في الأطعمة: باب قول الله تعالى: كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ (٥٣٧٣) ، (١٠/ ١١٧) في المرضى: باب وجوب عيادة المريض (٥٦٤٩) ، و (١٣/ ١٧٤) في الأحكام: باب إجابة الحاكم الدعوة (٧١٧٣) ، وأبو داود (٢/ ٢٠٤) في الجنائز: باب الدعاء للمريض بالشفاء عند العيادة (٣١٠٥) ، وأحمد (٤/ ٣٩٤، ٤٠٦) ، وأبو داود الطيالسي (١/ ٥٢) برقم (٢١٣٦) ، والدارمي (٢/ ٢٢٣) ، والبيهقي (٣/ ٣٧٩) ، (١٠/ ٣) ، والبغوي في «شرح السنة» (٣/ ١٧٣) برقم (١٤٠١) عن منصور عن أبي وائل عن أبي موسى الأشعري مرفوعا به.

<<  <  ج: ص:  >  >>