للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ يعني: عَنْ نكاحِ الإماء قاله ابنُ عَبَّاس وغيره «١» : وهذا نَدْبٌ إلى التَّرْك وعِلَّتُهُ مَا يؤَدِّي إلَيْه نكاحُ الإِماءِ مِن استرقاق الوَلَدِ ومِهْنَتِهنَّ.

[سورة النساء (٤) : الآيات ٢٦ الى ٢٨]

يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (٢٨)

وقوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ ... الآية: التقديرُ عندَ سيبَوَيْهِ: يريد اللَّهُ لأنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ، ويَهْدِيَكُمْ، بمعنى: يُرْشِدَكُمْ، والسُّنَنُ: الطُّرُقُ، ووجوهُ الأمورِ، وأَنحاؤُها، والَّذِينَ مِنْ قبلنا: هم المؤمِنُونَ مِنْ كُلِّ شريعةٍ.

وقوله سبحانه: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ... الآية: مَقْصِدُ هذه الآيةِ الإخبارُ عن إرَادَة الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ، فقُدِّمَتْ إرادةُ اللَّه تعالى تَوْطِئَةً مُظْهِرة لفسَادِ إرادة مُتَّبِعِي الشهواتِ، واختلف المتأوِّلون في تَعْيينِ مُتَّبِعِي الشَّهَوَات، فقال مجاهدٌ: هم الزناةُ «٢» ، وقال السُّدِّيُّ: هم اليهودُ والنصارى «٣» ، وقالَتْ فرقة: هم اليهودُ خاصَّة لأنَّهم أرادوا أنْ يتبعهم المُسْلِمُونَ في نِكَاحِ الأَخَوَاتِ مِنَ الأب، وقال ابنُ زَيْد: ذلك على العمومِ في هؤلاءِ، وفي كُلِّ متَّبعِ شهوةٍ «٤» ورجَّحه الطبريُّ «٥» .

وقوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ... الآية: أي: لَمَّا علمنا ضَعْفَكُمْ عَنِ الصَّبْر عن النِّساء، خَفَّفنا عَنْكم بإباحة الإماء، قاله مجاهدٌ وغَيْره «٦» ، وهو ظاهرُ مقصودِ الآيةِ، ثم بَعْدَ هذا المَقْصِدِ تَخْرُجُ الآية مَخْرَجَ التفضُّلِ لأنها تتناوَلُ كُلَّ ما خفَّفه اللَّه سبحانَهُ عَنْ عباده، وجعله الدِّينَ يُسْراً، ويقع الإخبار عن ضَعْف الإنسان عامّا حسبما هو


(١) أخرجه الطبري (٤/ ٢٩) برقم (٩١٢٩) ، وذكره ابن عطية (٢/ ٣٩) .
(٢) أخرجه الطبري (٤/ ٣١) برقم (٩١٣٠- ٩١٣١- ٩١٣٢- ٩١٣٣) بنحوه، وذكره البغوي (١/ ٤١٧) ، وابن عطية (٢/ ٤٠) ، والسيوطي (٢/ ٢٥٧) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. [.....]
(٣) أخرجه الطبري (٤/ ٣١) برقم (٩١٣٤) ، وذكره البغوي (١/ ٤١٧) ، وابن عطية (٢/ ٤٠) ، والسيوطي (٢/ ٢٥٧) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه الطبري (٤/ ٣١) برقم (٩١٣٥) بنحوه، وذكره ابن عطية (٢/ ٤٠) .
(٥) ينظر: «تفسير الطبري» (٤/ ٣٩) .
(٦) أخرجه الطبري (٤/ ٣٢) برقم (٩١٣٦) ، وذكره ابن عطية (٢/ ٤٠) ، وابن كثير (١/ ٤٧٩) ، والسيوطي (٢/ ٢٥٧) بنحوه، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>