للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقوله تعالى: قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ إلى التوحيد والمَعَادِ، فهي إلى القرآن وجميعِ ما تَضَمَّنَ، وعِظَمُهُ أنَّ التصديقَ بهِ نجاةٌ والتكذيبُ به هَلَكَةٌ، ووبَّخَهُمْ بقوله: أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ، ثم أمر ع أن يقولَ محتجًّا على صِحَّةِ رسالتِه: «مَا كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى لولا أنْ اللَّه أخْبَرَنِي بذلك» والملأ الأعلى أَرَادَ بِهِ: الملائكةَ، واخْتُلِفَ في الشَّيْءِ الذي هُوَ اخْتِصَامُهُمْ فِيه فقالت فرقةٌ: اختصامهم في شأن آدَمَ: كقولهم: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها [البقرة: ٣٠] وَيَدُلُّ على ذلك ما يأتي من الآياتِ، وقالت فرقة: بل اختصَامُهم في الكفَّارَاتِ وَغَفْرِ الذُّنُوبِ، ونحوه فإن العَبْدَ إذا فعل حسنَةً، اختلفت الملائكةُ في قَدْرِ ثوابِهِ في ذلك، حتى يَقْضِيَ اللَّهُ بما شاء، وروي في هذا حديثٌ فَسَّرَهُ ابنُ فُورَكَ يتضمَّنُ أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ له ربُّهُ- عزَّ وجلَّ- في نومه: «أتَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلأُ الأعلى؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: اختصموا في الْكَفَّارَاتِ والدَّرَجَاتِ، فَأَمَّا الكَفَّارَاتُ: فَإسْبَاغُ الوُضُوءِ في الغَدَوَاتِ البارِدَةِ، ونَقْلُ الأَقْدَامِ إلَى الجَمَاعَاتِ، وانتظار الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، وأَمَّا الدَّرَجَاتُ: فَإفْشَاءُ السَّلامِ، وَإطْعَامُ الطَّعَامِ، وَالصَّلاَةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ» الحديثِ «١» قال ابنُ العَرَبي في «أحكامِه» : وقَدْ رَوَاهُ الترمذيُّ صحيحاً، وفيه «قال: سَلْ قَالَ: اللَّهُمَّ، إنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ المُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ المَسَاكِينِ، وأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً في قَوْمٍ، فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، وأَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَعَمَلاً يُقَرِّبُ إلَيَّ حُبِّكَ» قال رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم: «إنّها حقّ فارسموها، ثم تعلّموها» ، انتهى.

[سورة ص (٣٨) : الآيات ٧٠ الى ٧٦]

إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٧٠) إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٧٤)

قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (٧٥) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦)

وقوله: إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ قال الفراء: إن شئْتَ جَعَلْتَ «أَنَّما» في موضِعِ رفعِ، كأنَّهُ قَالَ: مَا يوحى إليَّ إلا الإنْذَارُ، أو: ما يوحى إلَيَّ إلا أَنِّي نَذِيرٌ مُبينٌ، انتهى، وهكذا قال أَبو حَيَّان «٢» : «إن» بمعنى: «ما» وباقي الآيةِ بَيِّنٌ مِمَّا تَقَدَّمَ في «البَقَرَةِ» وغيرِها.


(١) أخرجه أحمد (٥/ ٢٤٣) عن معاذ بن جبل. وفي الباب من حديث ابن عبّاس أخرجه الترمذي (٥/ ٣٦٦- ٣٦٧) كتاب «تفسير القرآن» باب: ومن سورة ص (٣٢٣٣- ٣٢٣٤) ، وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه.
(٢) ينظر: «البحر المحيط» (٧/ ٣٩١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>