للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لاَ يُنَازِعُكُمُوهَا إِلاَّ ظَالِمٌ» .

واختلف الناس في سبب نزولِ هذه الآية، فقال مجاهدٌ: أُمرُوا بالهجرة، فقال العبَّاس: أنا أسقي الحاجَّ، وقال عثمانُ بن طلحة: أنا حاجبُ الكَعْبَة، وقال محمدُ بنُ كَعْب: إِن العبَّاس وعليًّا وعثمان بن طلحة تَفَاخَرُوا فنزلَتِ الآية، وقيل غير هذا.

/ وقوله سبحانه: الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ ... الآية: لما حكم سبحانه في الآية المتقدِّمة بأن الصِّنفين لا يستوون، بيَّن ذلك في هذه الآية الأخيرة، وأوضحه، فعدَّد الإِيمان والهجرة والجهاد بالمال والنفْس، وحَكَم عَلَى أنَّ أهل هذه الخصالِ أَعظمُ درجةً عند اللَّه مِنْ جميع الخَلْقِ، ثم حَكَمَ لهم بالفَوْزِ بِرَحْمَتِهِ ورضْوانه، والفَوْزُ: بلوغُ البُغْيَةْ، إمَّا في نيل رَغِيبَة، أو نجاةٍ من هَلَكَة، ويَنْظُرُ إِلى معنَى هذه الآية الحديثُ: «دَعُوا لي أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً، مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نِصِيفَهُ» «١» ولأن أصحاب هذه الخِصَال علَى سيوفهم انبنى الإِسلام، وتمهَّد الشرْعُ.

وقوله سبحانه: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ، هذا وعْدٌ كريمٌ مِنْ ربٍّ رحيمٍ، وفي الحديث الصحيح: «إِذَا استقر أَهْلُ الجَنَّةِ في الجَنَّة، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ:

هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَكَيْفَ لا نرضى، يا ربنا؟ فيقول: إني سأعطيكم أَفْضَلَ مِنْ ذَلِك! رِضْوَانِي أَرْضَى عَلَيْكُمْ فَلاَ أسخط عليكم أبدا ... » «٢» الحديث.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٢٣ الى ٢٤]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤)


(١) ورد ذلك من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة، وأنس بن مالك:
فأمّا حديث أبي سعيد، فرواه البخاري (٢٥١٧) في «فضائل الصحابة» باب: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لو كنت متخذا خليلا» (٣٦٧٣) ، ومسلم (٤/ ١٩٦٧) في «فضائل الصحابة» باب: تحريم سب الصحابة (٢٢٢/ ٢٥٤١) ، وأبو داود (٢/ ٦٢٦) في «السنة» باب: في النهي عن سب أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (٤٦٥٨) ، والترمذي (٥/ ٦٥٣) في المناقب (٣٨٦١) ، وأحمد (٣/ ١١، ٥٤، ٦٣) ، وابن أبي عاصم في «السنة» (٢/ ٤٧٨- ٤٧٩) (٩٩٠- ٩٩١) ، والبيهقي (١٠/ ٢٠٩) والخطيب في «التاريخ» (٧/ ١٤٤) عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد مرفوعا. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وأما حديث أبي هريرة، فرواه مسلم (٢٢١- ٢٥٤٠) ، وابن ماجه (١/ ٥٧) في «المقدمة» باب: فضل أهل بدر (١٦١) عن الأعمش، عن أبي صالح عنه مرفوعا به.
وأما حديث أنس فرواه أحمد (٣/ ٢٦٦) .
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>