للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السنن التي هي البيان لمجمل القرآن بها يوصل إلى مراد الله تعالى من عباده فيما تعبّدهم به من شرائع دينه الذي به الابتلاء، وعليه الجزاء، في دار الخلود والبقاء، التي لها يسعى الألبّاء العقلاء، والعلماء الحكماء، فمن منّ الله عليه بحفظ السّنن والقرآن، فقد جعل بيده لواء الإيمان، فإن فقه وفهم، واستعمل ما علم- دعي في ملكوت السموات عظيما، ونال فضلا جسيما- انتهى، والله أسأل أن يجعل هذا السعي خالصاً لوَجْهِهِ، وعملاً صالحاً يقرِّبنا إلى مرضاته، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ العَلِيِّ العظيم.

وسمّيته ب «الجواهر الحسان في تفسير القرآن»

أسأل الله أن ينفع به كلّ من حصّله، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا عدد ما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون، وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العالمين.

وها أنا- إن شاء الله- أشرع في المقصود وألتقط من كلام ابن عطيّة- رحمه الله- ما ستقف عليه من النّبذ الحسنة المختارة ما تقرّ به العين، وإذا نقلت شيئا من غيره، عزوته لصاحبه كما تقدّم.

قال ع «١» - رحمه الله- بعد كلام في أثناء خطبته: ولما أردتّ أن أختار لنفسي وأنظر في علم أعدّ أنواره لظلم رمسي، سبرت العلوم بالتنويع والتقسيم، وعلمت أنّ شرف العلم على قدر شرف المعلوم فوجدتّ أمتنها حبالا، وأرسخها جبالا، وأجملها آثارا وأسطّعها أنوارا- علم كتاب الله جلّت قدرته، وتقدّست أسماؤه، الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: ٤٢] الذي استقلّ بالسّنّة والفرض، ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض، وأيقنت أنه أعظم العلوم تقريبا إلى الله تعالى، وتخليصا للنّيّات، ونهيا عن الباطل، وحضّا على الصالحات إذ ليس من علوم الدنيا فيختلّ حامله من منازلها صيدا، ويمشي في التلطّف لها رويدا، ورجوت أنّ الله تعالى يحرّم على النّار فكرا عمّرته أكثر عمره معانيه، ونفسا ميّزت براعة رصفه ومبانيه، ثم قال:

قال اللَّه تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل: ٥] قال المفسّرون: أي: علم معانيه، والعمل بها، وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «قيّدوا العلم بالكتب» «٢» ففزعت إلى تعليق ما


(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٣٤- ٣٦) .
(٢) ورد هذا الحديث عن جماعة من الصحابة، وهم: أنس بن مالك، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>