للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا العَارِضَ مِنْ نَفْسِهِ حتى غَلَبَهُ، فقدْ كُفِيَ هَمًّا عظيماً في دنياه وآخرته.

ت: وروى مالكٌ في «المُوَطَّإ» أَنَّ رجُلاً أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَعِيشُ بِهِنَّ وَلاَ تُكْثِرْ عَلَيَّ فأنسى، فَقَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «لاَ تَغْضَبْ» «١» قال أبو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ البَرِّ: أراد: عَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي بكلماتٍ قليلةٍ لئلاَّ أنسى إنْ أكْثَرْتَ عَلَيَّ، ثم أسند أبو عُمَرَ من طُرُقٍ عن الأحنفِ بن قَيْسٍ عن عَمِّه جَارِيَةَ بْنِ قُدَامَةَ، أَنَّه قال:

يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لي قَوْلاً يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ، وأَقْلِلْ لِي لَعَلِّي أَعْقِلُهُ، قَال: «لاَ تَغْضَبْ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مِراراً، كُلُّها يُرَجِّعُ إليه رسُولُ اللَّه: لاَ تَغْضَبْ» ، انتهى «٢» من «التمهيد» ، وأسند أبو عُمَرَ في «التمهيد» أيضاً عن عبد اللَّه بن أبي الهُذَيْلِ قال: لما رأى يحيى أَنَّ عيسى مُفَارِقُهُ قال له:

أَوْصِنِي، قَالَ: لا تَغْضَبْ، قال: لاَ أَسْتَطِيعُ، قال: لا تَقْتَنِ مَالاً، قال عَسَى. انتهى. وروى ابن المبارك في «رقائقه» بسنده عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مَنْ كَفَّ لِسَانَهُ عَنْ أَعْرَاضِ المُسْلِمِينَ أقال اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ عَنْهُمْ، وَقَاهُ اللَّهُ عَذَابَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» «٣» ، قال ابن المُبَارَكِ: وأخبرنا/ ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عن خالدِ بْنِ مَعْدَانَ قال: إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتعالى يَقُولُ: «مَنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإِ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإِ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَمَنْ ذَكَرَنِي حِينَ يَغْضَبُ ذَكَرْتُهُ حِينَ أَغْضَبُ فَلَمْ أَمْحَقْهُ فيمن أمحق «٤» » انتهى.

[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٣٨ الى ٤١]

وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١)


- قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
وفي الباب من حديث جارية بن قدامة التيمي رضي الله عنه: أنه قال: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قُلْ لي قَوْلاً يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ، وأَقْلِلْ لعلي لا أغفله، قال: «لا تغضب ... » الحديث.
أخرجه ابن حبان (١٢/ ٥٠٢) كتاب «الحظر والإباحة» باب: الاستماع المكروه وسوء الظن والغضب والفحش، ذكر الإخبار عما يجب على المرء من ذم النفس عن الخروج إلى ما لا يرضي الله- جلّ وعلا- بالغضب (٥٦٨٩- ٥٦٩٠) ، وأحمد (٣/ ٤٨٤) ، (٥/ ٣٤) ، والحاكم (٣/ ٦١٥) ، والبخاري في «التاريخ الكبير» (٢/ ٢٣٧) (٢٣٠٩) ، والطبراني (٢/ ٢٦٢) (٢٠٩٤) (٢١٠٧) ، والخطيب في «تاريخ بغداد» (٣/ ١٠٨) (١١١٠) .
(١) أخرجه مالك في «الموطأ» (٢/ ٩٠٦) كتاب «حسن الخلق» باب: ما جاء في الغضب (١١) .
(٢) أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (٧/ ٢٤٦) ، وانظر الحديث قبل السابق.
(٣) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (٢٥٧) (٧٤٥) ، وذكره الهندي في «كنز العمال» (٣/ ٣٥٤) (٦٩٠٢) ، وعزاه إلى الديلمي.
(٤) تقدم تخريج هذا الحديث مسندا.

<<  <  ج: ص:  >  >>