للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ع «١» : فعلى هذا إِنما أعلمهم بأنه يعلم مغيَّباتٍ لا تعلُّق لها برؤْيَا، وقصد بذلك أحَدَ الوجهَيْنِ المتقدِّمين، وهذا على ما روي أنه نبىء في السجن فإِخباره كإِخبار عيسَى عليه السلام.

وقوله: تَرَكْتُ، مع أنه لم يتشبَّثْ بها جائزٌ صحيحٌ وذلك أنه أخبر عن تجنّبه من أول بالترك، وساق لفظ التَّرْك استجلابا لهما عسَى أن يتركا الترْكَ الحقيقيَّ الذي هو بَعْد الأخْذ في الشيء، والقَوْمُ المتروكُ ملتهم: المَلِكَ وأتباعه.

وقوله: وَاتَّبَعْتُ ... الآية: تمَادٍ من يوسُفَ عليه السلام في دعائهما إِلى الملَّة الحنيفيَّة.

وقوله: مَا كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ، «مِنْ» : هي الزائدةُ المؤكِّدة التي تكونُ مع الجُحُودِ.

وقوله: لاَ يَشْكُرُونَ: يريد: الشكْرَ التَّامَّ الذي فيه الإيمان بالله عزّ وجلّ.

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٣٩ الى ٤٢]

يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠) يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١) وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢)

وقوله: يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ: وصْفُه لهما ب صاحِبَيِ السِّجْنِ من حيثُ سُكْنَاه كما قال: أَصْحابُ الْجَنَّةِ وأَصْحابُ النَّارِ ونحو ذلك، ويحتمل أن يريد صُحْبَتَهُما له في السِّجْنِ، كأنه قال: يا صَاحِبَايَ في السجْنِ، وعرْضُه عليهما بطلاَن أمْرِ الأوثان بأنْ وصَفَها بالتفرُّق، ووَصْفُ اللَّه تعالى بالوَحْدة والقَهْر تلطُّفٌ حَسَنٌ، وأخْذٌ بيسيرِ الحُجَّة قبل كثيرها الذي ربَّما نَفَرَتْ منه طباعُ الجَاهِلِ وعانَدَتْه، وهكذا الوجْهُ في محاجَّة الجاهِلِ: أَنْ يؤخَذَ بدَرَجَةٍ يسيرةٍ من الاحتجاج يقبلها، فإِذا قبلها، لزمته عَنْها درجةٌ أخرى فوقها، ثم كذلك أبداً حتى يصلَ إِلى الحقِّ، وإِن أُخِذَ الجاهلُ بجميعِ المَذْهَبِ الذي يُسَاقُ إِليه دفعةً أباه للحين وعانَدَهُ، ولقد ابتلي بأربابٍ


(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٢٤٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>