للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحد إنما يُكَلَّمُ ويُعَاتَبُ بِحَسْبِ ما يَخْصُّه، وقالت فرقة: هو إخبار مستأنَفٌ عَنْ حالِ يومِ القيامةِ، وجَاءتْ آيات أُخَرُ تَقْتَضِي السؤالَ، فقالَ الناسُ في هذا: إنها مواطنُ وطوائفُ.

وقِيل غيرُ هذا، ويوم القيامة هو مواطنُ. ثم أخبرَ تعالى عن خُروج قارونَ على قومهِ في زينتِه من الملابِسِ والمَراكِبِ وزينةِ الدنيا وأَكثَرَ النَّاسُ في تحديدِ زينةِ قارونَ وتَعْيِينِها بِمَا لاَ صِحَّةَ لَه فَتَرَكْتُه، وبَاقِي الآيَةِ بَيِّنٌ فِي اغترارِ الجَهَلَةِ والإغْمَارِ مِن النّاس.

[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٨٠ الى ٨٢]

وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ (٨٠) فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (٨١) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (٨٢)

وقوله سبحانه: وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ... الآية: أخبر تعَالَى عَنْ الذين أوتوا العلم والمعرفةَ باللهِ وبِحَقِّ طاعتِه أَنَّهُمْ زَجَرُوا الأَغْمَارَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا حَالَ قَارُوْنَ وَحَمَلُوهُمْ عَلَى الطَّرِيقَةِ المُثْلَى مِنْ أَنَّ النَّظَرَ والتَّمَنِّي إنَّما يَنْبَغِى أنْ يَكونَ في أمورِ الآخرةِ، وأنَّ حالةَ المؤمنِ العاملِ الذي ينتظرُ ثوابَ اللهِ تعالى خيرٌ مِن حالِ كلِّ ذِي دُنيا.

ثم أخبر تعالى عن هذه النَّزْعَةِ وهذه القوَّةِ في الخير والدينِ أَنَّها «١» لاَ يُلَقَّاها أي: لا يُمَكَّنُ فيها ويُخَوَّلُها إلا الصَّابِرُ عَلى طَاعَةِ الله وعن شهواتِ نفسه وهذا هو جماع الخير كله.

وقال الطبري «٢» : الضمير عائد على الكلمة وهي قوله: ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً، أي: لا يُلَقَّنُ هذه الكلمة إلا الصابرون وعنهم تصدر، ورُوِيَ في الخسف بقارونَ ودارِه أن موسى عليه السلام لما أمَضَّه فعلُ قارونَ به وتعدّيه عليه استجارَ بالله تعالى وطلب النصرة فأوحى الله إليه، أَني قد أمرتُ الأرض أَنْ تطيعكَ في قارونَ وأتباعه، فقال موسى: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب، فاستغاثوا: يا موسى يا ٦٠ ب موسى فقال: خذيهم، فأخذتهم شيئاً فشيئاً إلى أن تم الخسفُ بهم/، فأوحى الله إليه:

يا موسى لَوْ بِيَ استغاثوا وإليَّ تابوا لرحمتِهُم. قال قتادةُ وغيره: رُوِيَ أَنه يخسفُ به كل يوم قامةً فهو يتجلجل إلى يوم «٣» القيامة.


(١) في ج: أنهما.
(٢) ينظر: «الطبريّ» (١٠/ ١٠٩) .
(٣) أخرجه الطبريّ (١٠/ ١١٢) رقم (٢٧٦٤٤) ، وذكره البغوي (٣/ ٤٥٧) ، وابن عطية (٤/ ٣٠١) ، وابن كثير (٣/ ٤٠١) ، والسيوطي (٥/ ٤٥٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>