للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنَّجْوَى: المسارَّة، وقد تسمى بها الجماعةُ كما يقال: قَوْمٌ عَدْلٌ، وليستِ النجوى بمَقْصُورةٍ على الهَمْسِ في الأُذُنِ، والمعروفُ لفظ يعمُّ الصدَقَةَ والإصلاحَ وغيرهما، ولكنْ خُصَّا بالذِّكْر اهتماماً إذ هما عظيمَا الغَنَاءِ في مَصَالحِ العبادِ، ثم وعد تعالى بالأجر العظيم على فعل هذه الخيرات بنيّة وقصد لرضا الله تعالى.

[سورة النساء (٤) : الآيات ١١٥ الى ١١٦]

وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (١١٥) إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١١٦)

وقوله تعالى: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ ... الآية: لفْظٌ عامٌّ نزَلَ بسببِ طُعْمَة بْنِ أُبَيْرِقٍ لأنه ارتدَّ وسار إلى مكَّة، فاندرجَ الإنحاءُ علَيْهِ فِي طَيِّ هذا العمومِ المتناوِلِ لمَنِ اتصف بهذه الصفاتِ إلى يوم القيامة.

وقوله: نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى: وعيدٌ بأنْ يترك مع فاسِدِ اختيارِهِ في تودُّد الطاغوتِ، ثم أوجَبَ تعالى أنه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وقد مضى تفسير مثل هذه الآية.

[سورة النساء (٤) : الآيات ١١٧ الى ١١٩]

إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩)

وقوله تعالى: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً ... الآية:

الضميرُ في يَدْعُونَ: عائدٌ على مَنْ ذكر في قوله: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ [النساء: ١١٥] ، و «إنْ» : نافيةٌ بمعنى «ما» ، ويدعون: عبارةٌ مغنيةٌ موجزةٌ في معنى: يعبدون ويتخذُونَ آلهة، قُلْتُ: وفي «البخاريِّ» إِلَّا إِناثاً: يعني المَوَاتَ حَجَراً ومدَراً، وما أشبهه. انتهى، وفي مُصْحَف «١» عائشَةَ: «إلاَّ أوثَاناً» ونحوه عن ابنِ عَبَّاس «٢» ، والمرادُ بالشّيطان هنا


- كتاب «الفتن» ، باب كف اللسان في الفتنة، حديث (٣٩٧٤) كلاهما من طريق محمد بن يزيد بن خنيس قال: سمعت سعيد بن حسان المخزومي قال: حدثتني أم صالح عن صفية بنت شيبة عن أم حبيبة به.
وقال الترمذيّ: هذا حديث حسنٌ غريبٌ لا نعرفه إِلا من حديث محمد بن يزيد بن خنيس.
(١) ينظر: «الشواذ» ص (٣٥) ، و «الكشاف» (١/ ٥٦٦) ، و «المحرر الوجيز» (٢/ ١١٣) ، و «البحر المحيط» (٣/ ٣٦٧) ، و «الدر المصون» (٢/ ٤٢٧) .
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٢٧٩) برقم (١٠٤٤٧) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (١/ ٤٨١) ، وابن عطية في «تفسيره» (٢/ ١١٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>