وقوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا تقدّم تفسير نظيره، والله الموفّق بفضله، وأَساوِرَ جمع «أسْوَار» ، وهي ما كان من الحُلِيِّ في الذراع، وقيل:«أَسَاور» جَمْعُ أَسْوِرَة، وأَسْوِرَة جمع أسْوَارٍ، و «السُّنْدس» :
رقيق الدِّيباج «والإستبرق» ما غلظ منه، قيل: إِستبرقٌ من البَرِيقِ، والْأَرائِكِ جمع أريكة، وهي السريرُ في الحجالِ، والضمير في قوله: وَحَسُنَتْ للجنَّات، وحكى النَّقَّاش عن أبي عمران الجَوْنيِّ، أنه قالَ:«الإِستبرقُ» : الحريرُ المنسوجُ بالذهب.
الآية الضمير في لَهُمْ عائدٌ على الطائفة المتجبِّرة التي أرادت من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنْ يطرد فقراء المؤمنين، فالمثل مضروبٌ للطائفتين، إذ الرجل الكافر صاحِبُ الجنتين هو بإزاء متجبِّري قريشٍ، أو بني تميمٍ على الخلاف في ذلك، والرجُلُ المؤمنُ المُقِرُّ بالربوبية هو بإزاء فقراء المؤمنين، «وحففنا» بمعنى جعلنا ذلك لَهُمَا منْ كُلِّ جهة، وظاهر هذا المَثَل أنَّه بأمْرٍ وَقَعَ في الوجودِ، وعلى ذلك فَسَّره أكثر المتأوِّلين، فروي في ذلك أنهما كانا أخَويْنِ من بني إسرائيل، ورثا أربعَةَ آلاف دينارٍ، فصنع أحدهما بماله ما ذكر، واشترى عبيداً، وتزوَّج، وأثْرى، وأنفق الأخَرُ ماله في طاعة اللَّه عزَّ وجلَّ حتى افتقَرَ، والتقيا، فافتخر الغنيُّ، ووبَّخ المؤمن، فجرَتْ بينهما هذه المحاورَةُ، وروي أنهما كانا شريكَيْن حَدَّادَيْنِ كسبا مالاً كثيراً، وصَنَعَا نحو ما رُوِيَ/ في أمر الأَخَوَيْنِ، فكان من أمرهما ما قَصَّ اللَّه في كتابه.
قال السهَيْلِيُّ: وذكر أن هذَيْن الرجلَيْن هما المذكوران في «والصافات» في قوله تعالى: قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ إلى قوله فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ وإِلى قوله: لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ [الصافات: ٥- ٥٥، ٦١] انتهى.
وقوله سبحانه: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها الأَكُلُ: ثمرها الذي يؤكل وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً أي لم تنقص عن العُرُفِ الأتَمِّ الذي يشبه فيها، ومنه قولُ الشاعر:[الطويل]