وقوله عز وجل: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ... الآية مخاطبةٌ للعرب في قول الجمهور، وهذا على جهة تعديدِ النعمة عَلَيْهِمْ إِذْ جاءَهم بلسانِهِمْ، وبما يفهمونه منَ الأَغراض والفصاحةِ، وشُرِّفوا به غَابِرَ الدهْرِ.
وقوله: مِنْ أَنْفُسِكُمْ: يقتضي مدْحاً لنسبه صلّى الله عليه وسلّم، وأنه من صميمِ العَرَبِ، وشَرَفِها، وقرأ عبد اللَّه بن قُسَيْطٍ المَكِّيُّ:«مِنْ أَنْفَسِكُمْ» - بفتح الفاء- من النّفاسة، ورويت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقوله: مَا عَنِتُّمْ: معناه عَنَتُكُمْ ف «ما» مصدريةٌ، والعَنَت: المشقَّة، وهي هنا لفظةٌ عامَّة، أي: عزيز عليه مَا شَقَّ عليكم: مِنْ قتلٍ وإِسارٍ وامتحان بحسب الحَقِّ واعتقادكم أيضاً معه، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ أي: على إيمانكم وهداكم.
وقوله: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ أي: مبالغٌ في الشفقة عليهم، قال أبو عبيدة: الرّأفة أرقّ الرحمة.
ثم خاطب سبحانه نبيَّه بقوله: فَإِنْ تَوَلَّوْا، أي: أعرضوا، فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ: هذه الآية من آخر مَا نَزَلَ، وصلى اللَّه علَى سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ العَلِيِّ العظيم.