للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدلولُهما، والاستفهام هنا: على سبيل التحقِيرِ. انتهى. وهو حَسَن.

وقوله: إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ: إِيجاب عن عِدَّةٍ من اللَّه تعالى.

وقوله: إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ: يحتمل أنْ يكون ابتداءَ خَبَرٍ مِنَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، ويحتملُ أَنْ يكون من كلام موسَى عليه السلام، وكذلك قوله: وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ ... الآية، محتملٌ للوجهين، وكون ذلك كلُّه من كلام موسَى أقربُ، وهو الذي ذكر «١» الطبريُّ، وأما قوله: بِكَلِماتِهِ: فمعناه بكلماته السابقةِ الأزليَّة في الوعد بذلك.

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٨٣ الى ٨٦]

فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣) وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦)

وقوله عز وجل: فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ اختلف المتأوِّلون في عود الضمير الذي في قَوْمِهِ، فقالتْ فرقة: هو عائدٌ على موسَى، وذلك في أول مبعثه، وَمَلأُ الذُّرِّيَّةِ، هم أشرافُ بني إِسرائيل.

قال ص: وهذا هو الظاهر، وقالت فرقةٌ: الضميرُ في قَوْمِهِ عائدٌ على فِرْعَوْنَ، وضمير مَلَائِهِمْ عائدٌ على الذريَّة.

قال ع: ومما يضعِّف عوْدَ الضميرِ علَى موسَى: أَنَّ المعروفَ مِنْ أخبار بني إِسرائيل أنهم كانوا قوماً تقدَّمت فيهم النبوَّاتِ، ولم يُحفَظْ قطُّ أَنَّ طائفة من بَني إِسرائيل كَفَرَتْ به، فدَلَّ على أن الذريَّة مِنْ قوم فِرعون.

وقوله سبحانه: وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا ... الآية:

هذا ابتداءُ حكايةِ قوْلِ موسَى لجماعةِ بني إِسرائيل مُؤَنِّساً لهم، ونادباً إِلى التوكُّل على اللَّه عزَّ وجلَّ الذي بيده النصْرُ قال المُحَاسِبيُّ: قُلْتُ لأبي جعفرٍ محمَّدِ بنِ موسَى: إِنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ يقول: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة: ٢٣] فما السَّبِيلُ إِلى هذا التوكُّل الذي نَدَبَ اللَّه إِلَيْهِ، وكيف دُخُولُ الناس فيه؟ قال: إِن الناس متفاوِتُون في التوكُّل، وتوكُّلُهم علَى قَدْرِ إِيمانهم وقوَّةِ عُلُومهم، قُلْتُ: فما معنى إِيمانهم؟ قال: تصديقُهُم بمواعيدِ اللَّه عزَّ وجلَّ، وثِقَتُهُم بضَمَانِ اللَّه تبارَكَ وتعالَى، قلْتُ: مِنْ أَيْنَ فَضَلَتِ الخاصّة


(١) ذكره الطبري (٦/ ٥٩٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>