للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابنُ زَيْد: فلا أدْري، هل عُفِيَ عن هذه الطائفةِ خاصَّة، أمْ عن المؤمنين جميعاً «١» .

وقوله تعالى: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا: ظاهره عند جمهور المفسِّرين: أنه كانَتْ لهم ذنوبٌ عاقبهم اللَّه علَيْها بتَمْكين الشيطان من استزلالهم بوسوسَتِهِ وتخويفِهِ، والفَرَارُ مِنَ الزَّحْفِ «٢» من الكبائر بإجماعٍ فيما عَلِمْتُ، وقَدْ عده صلّى الله عليه وسلّم في السّبع الموبقات «٣» .

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٥٦ الى ١٥٨]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨)

وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ ...

الآية: نَهَى اللَّه المؤمنِينَ أنْ يكونوا مثل الكفَّار المنافقين في هذا المعتقَدِ الفاسِدِ الذي هو أنَّ من سافر في تجارةٍ ونحوها، ومَنْ قَاتَلَ فَقُتِلَ، لو قعد في بَيْته لعاش، ولم يَمُتْ في ذلك الوَقْتِ الذي عَرَّض فيه نَفْسه للسَّفَر أو للقِتَال، وهذا هو مُعْتَقَدُ المعتزلة في القَوْل بالأَجَلَيْنِ، أو نحو منه، وصرّح بهذا المقالة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِيٍّ المُنَافِقُ، وأصحابه قاله مجاهد


(١) ذكره ابن عطية (١/ ٥٣٠) .
(٢) قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:
١٥- ١٦] في هذه الآية ينهى الله المؤمنين عن الفرار من الكفار إذا التقوا بهم في القتال، وحكمة ذلك أن الفرار كبير المفسدة وخيم العاقبة لأن الفارّ يكون كالحجر يسقط من البناء.، فيتداعى ويختل نظامه لهذا عدّ الشارع الحكيم الفرار من الزحف من أكبر الجنايات، وقد توعد الله المقاتلين الذين يولون العدوّ ظهورهم، فقال: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ... الآية.
وفي الفرار من العدو عار يجعل الحياة بغيضة عند النفوس الأبيّة، قال يزيد بن المهلّب: «والله إني لأكره الحياة بعد الهزيمة» .
وقال بعض العلماء: إن هذا النهي خاصّ بوقعة بدر. وبه قال نافع والحسن وقتادة، ويزيد بن أبي حبيب، والضحاك، ونسب إلى أبي حنيفة كما حكاه القرطبي.
وقال الجمهور (وهو المروي عن ابن عبّاس) : إن تحريم الفرار من الصف عند الزحف باق إلى يوم القيامة في كلّ قتال يلتقي فيه المسلمون والكفار.
(٣) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>