للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَيْحَةِ الانْتِزَاعِ، فَما أقْرَب مَا يُنْتَظَرْ، وَمَا أقلّ المكث فيما يزول ويتغيّر. انتهى.

[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ١٠ الى ١٦]

قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (١٠) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (١٤)

فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١٥) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (١٦)

وقوله تعالى: قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ يُرْوَى أنَّ هذهِ الآيةَ نزلتْ في جَعْفَرِ بن أبي طالب وأصحابِهِ، حِينَ عزموا على الهجرة إلى أرض الحبشة «١» ، ووعد سبحانه بقوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ فقولهُ: فِي هذِهِ الدُّنْيا متعلق ب أَحْسَنُوا، والمعنى: إنَّ الذين يُحْسِنُونَ في الدنيا لَهُمْ حَسَنَةٌ في الآخِرَة، وهي الجنةُ والنعيمُ قاله مقاتلٌ»

ويحتملُ أنْ يريدَ: أن الذينَ يُحْسِنُونَ لهُم حسَنَةٌ في الدنيا، وهي العافيةُ والظهورُ وولايةُ اللَّهِ تعالى قاله السُّدّيُّ «٣» ، والأَوَّلُ أرجح أن الحسَنَةَ هِي في الآخِرة.

وقوله سبحانه: وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ حَضٌّ عَلى الهجرةِ، ثم وَعَدَ تعالى على الصَّبْرِ على المكارِهِ، والخروج مِنَ الوَطَنِ ونُصْرَةِ الدينِ وجميعِ الطاعات- بِتَوْفِيَةِ الأجورِ بغير حِسَابٍ، وهذا يحْتَمِلُ معنيين:

أحدهما: أن الصابرَ يؤتى أَجْرَهُ وَلاَ يحاسَبُ على نعيمٍ ولا يُتَابَعُ بذنوبٍ، ويكونُ في جملة الذين يدخلون الجنةَ بغير حساب.

والثاني من المعنيين: أن أجورَ الصابرينَ توفى بغَيْرِ حَصْر وَلا عَدٍّ، بلْ جُزَافاً، وهذه استعارةٌ للكثرةِ التي لا تحصى وإلى هذا التأويلِ ذَهَبَ جمهورُ المفسرينَ، حتى قال قتادةُ:

لَيْسَ ثَمَّ واللَّهِ/ مِكْيَالٌ ولا ميزان «٤» ، وفي الحديث أَنَّهُ لما نزلت وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ [البقرة: ٢٦١]


(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٧٤) ، وابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٥٢٣) .
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٧٣) ، وابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٥٢٣) .
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٦٢٢) برقم: (٣٠٠٩٤) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٧٣) ، وابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٥٢٣) .
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٦٢٢) برقم: (٣٠٠٩٦) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٧٤) عن علي رضي الله عنه، وابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٥٢٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٤٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٦٠٥) ، وعزاه لعبد بن حميد.

<<  <  ج: ص:  >  >>