للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ، أي: لا تخلطوا، قال أبو العاليةِ: قالت اليهود: محمَّد نبيٌّ مبعوثٌ، لكن إلى غيرنا، فإقرارهم ببعثه حق، وقولهم: إلى غيرنا باطلٌ، وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ، أي: أمر محمّد صلّى الله عليه وسلم «١» ، وفي هذهِ الألفاظ دليل على تغليظ الذنب على من وقع فيه، مع العلم به، وأنه أعصى من الجاهل، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ جملةٌ في موضع الحال.

قال ص «٢» : وَتَكْتُمُوا مجزومٌ معطوف على تَلْبِسُوا، والمعنى النهْيُ عن كلٍّ من الفعلين. انتهى.

وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ: معناه: أظهروا هيئَتَها، وأديموها بشروطها، والزكاة في هذه الآية هي المفروضة، وهي مأخوذة من النماء، وقيل: من التطهير.

وقوله تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ: قيل: إنما خص الركوع بالذِّكْر لأن بني إسرائيل لم يكن في صلاتهم ركوعٌ.

ت: وفي هذا القول نظرٌ، وقد قال تعالى في «مَرْيم» : اسْجُدِي وَارْكَعِي [آل عمران: ٤٣] ، وقالت فرقة: إنما قال: مَعَ لأن الأمر بالصلاة أولاً لم يقتضِ شهود الجماعة، فأمرهم بقوله: مَعَ شهود الجماعة.

ت: وهذا القول هو الذي عوَّل عليه ع: في قصَّة مرْيَمَ «٣» - عليها السلام-، والركوع الانحناء بالشخص.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]

أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٤٤) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (٤٦)

وقوله تعالى: أَتَأْمُرُونَ خرج مخرج الاستفهامِ، ومعناه التوبيخُ، و «البِرُّ» يجمع وجوه الخيرِ والطاعاتِ، وتَنْسَوْنَ معناه تتركون أنفسكم.

قال ابنُ عَبَّاس: كان الأحبار يأمرون أتباعهم ومقلِّديهم باتباع التوراة، وكانوا هم


(١) أخرجه الطبري (١/ ٢٩٤) برقم (٨٢٩) بلفظ «كتموا بعث محمد صلّى الله عليه وسلم» . وذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ١٣٥) .
(٢) «المجيد» ص ٢٣٠.
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٤٣٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>