فَخَزِيَ عِنْدَ ذَلِكَ عبدُ اللَّه بن أُبَيٍّ ومَقَتَه الناسُ ولاَمه المؤْمِنونَ من قومِه، وقال له بعضهم:
امض إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واعْتَرِفْ بذنبكَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ، فلوى رَأْسَهُ إنْكَاراً لهذا الرَّأْيِ، وقال لهم: لقد أشَرْتُمْ علي بالإيمان فآمنتُ، وأَشَرْتُمْ علي بأنْ أعطِيَ زَكَاةَ مالِي فَفَعَلتُ، وَلَمْ يَبْقَ لكم إلا أن تأمروني بالسجود لِمحمَّدٍ، فهذا قَصَصُ هذه السورة مُوجَزاً، وقَرأَ نافعٌ والمفضَّل عن عاصم:«لَوَوْا» - بتخفيف الواوِ- وقرأ الباقون بتشديدِها.
وقوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ ... الآية، رويَ أنه لما نزلتْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة: ٨٠] قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لأَزِيدَنَّ على السبعينَ، وفي حديثٍ آخَرَ: لَوْ عَلِمْتُ أنِّي لَوْ زِدْتُ على السبعينَ لَغَفَرَ لَهُمْ لَزِدْتُ، وفي هذا الحديثِ دليلٌ عَلَى رَفْضِ دليلِ الخطابِ، فَلَمَّا فعل ابْنُ أُبَيٍّ وأصحابهُ مَا فَعَلُوا شَدَّدَ اللَّه عليهم في هذه الآيةِ، وأَعْلَم أَنَّه لَنْ يَغْفِرَ لهم دون حدّ في الاستغفار.
وقوله تعالى: هُمُ الَّذِينَ إشارةٌ إلى ابن أُبَيٍّ ومَنْ قَالَ بقوله، ثم سفه تعالى أحلامَهم في أن ظَنُّوا أنَّ إنْفَاقَهم هو سَبَبُ رزقِ المهاجرينَ، ونَسَوا أن جَرَيَانِ الرزقِ بِيَدِ اللَّهِ تعالى إذَا انْسَدَّ بابٌ انْفَتَحَ غَيْرُه ثم أعْلَمَ تعالى أنَّ العزةَ لِلَّهِ ولرسولهِ وللمؤمنِين، وفي ذلكَ وعيدٌ وَرُوِي/ أن عبدَ اللَّه بن عبدِ اللَّه بن أُبَيٍّ وكَانَ رَجُلاً صَالِحاً لَمَّا سَمِعَ الآيةَ، جَاءَ إلى أبيه فَقَالَ له: أنْتَ واللَّهِ يا أبَتِ الذليلُ، ورَسُولُ اللَّهِ العزيزُ، وَوَقَفَ عَلَى بَابِ السِّكَّةِ التي يَسْلُكُها أبوه، وجَرَّدَ السَّيْفَ وَمَنَعَهُ الدُّخُولَ، وقال: واللَّهِ لاَ دَخَلْتَ إلى مَنْزِلِكَ إلاَّ أنْ يأْذَنَ في ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ في أذَلِّ حال، وبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فَبَعَثَ إلَيْهِ أنْ خَلِّهِ يَمْضِي إلى مَنْزِلِهِ، فقال: أمّا الآن، فنعم.