للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جْرَيْج، والحَسَن، والسُّدِّيُّ، وغيرهم من المفسِّرين: إنَّ هذا الخَدْعَ هو أنَّ اللَّه تعالى يُعْطِي لهذه الأُمَّة يوم القيامةِ نُوراً لكلِّ إنسانٍ مؤمن، أو منافقٍ، فيفرح المنافِقُونَ، ويظُنُّون أنهم قد نَجَوْا، فإذا جاءوا إلى الصِّراطِ، طُفِىءَ نورُ كلِّ منافقٍ، ونهَضَ المؤمنُونَ «١» ، فَذَلكَ قولُ المنافِقِينَ: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد: ١٣] ، فذلك هو الخَدْع الذي يَجْرِي عَلَى المنافِقِينَ، ثم ذكر سبحانه كَسَلَهُمْ في الصلاةِ، وتلْكَ حالُ كُلِّ مَنْ يعمل كارهاً غيْرَ معتقِدٍ فيه الصَّواب، بل تقيَّةً أو مصانَعَةً.

قال ابنُ العَرَبِيِّ «٢» في «أحكامه» : قوله تعالى: وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا

، روى الأئمَّة مالكٌ وغيره، عن أنس أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «تِلْكَ صَلاَةُ المُنَافِقِينَ، تِلْكَ صَلاَةُ المُنَافِقِينَ، تِلْكَ صَلاَةُ المُنَافِقِينَ، يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ حتى إذَا اصفرت الشَّمْسُ، وَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ يَنْقُرُ أَرْبَعاً لاَ يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلاَّ قَلِيلاً» «٣» قال ابن «٤» العربيِّ: وقد بيَّن تعالى/ صلاةَ المؤمنين بقوله: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ [المؤمنون: ١، ٢] ومن خَشَعَ خَضَعَ، واستمر، ولم ينقُرْ صلاتَهُ، ولم يستعْجِلْ. انتهى.

ومُذَبْذَبِينَ: معناه: مُضْطَرِبِينَ لا يَثْبُتُونَ على حالٍ، والتَّذَبْذُب: الاِضطرابُ، فهؤلاءِ المنافقُونَ متردِّدون بَيْنَ الكفَّار والمؤمنين، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «مَثَلُ المُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ العَائِرةِ «٥» بَيْنَ الغَنَمَيْنِ» «٦» ، والإشارة بذلك إلى حالتي الكفر والإيمان.

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٤٤ الى ١٤٧]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (١٤٤) إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (١٤٦) ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (١٤٧)


(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٣٣٢) برقم (١٠٧٢٦) ، (١٠٧٢٧) ، (١٠٧٢٨) ، وذكره ابن عطية (٢/ ١٢٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٤١٧) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر عن الحسن.
(٢) ينظر: «أحكام القرآن» (١/ ٥١١) .
(٣) أخرجه مسلم (١/ ٤٣٤) ، كتاب «المساجد» ، باب استحباب التكبير بالعصر (١٩٥/ ٦٢٢) ، ومالك (١/ ٢٢٠) ، كتاب «القرآن» ، باب النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر (٤٦) .
(٤) ينظر: «أحكام القرآن» (١/ ٥١٢) .
(٥) أي: المترددة بين قطيعين لا تدري أيهما تتبع.
ينظر: «النهاية» (٣/ ٣٢٨) .
(٦) أخرجه مسلم (٤/ ٢١٤٦) كتاب «صفات المنافقين» ، باب (٥٠) ، حديث (١٧/ ٢٧٨٤) ، والنسائي (٨/ ١٢٤) كتاب «الإيمان» ، باب مثل المنافق، حديث (٥٠٣٧) ، وأحمد (٢/ ٣٢) ، والخطيب (١٤/ ٢٦٨) من حديث ابن عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>