للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الكتاب لا يتعرض لسور القرآن كلها، ولكنه يتعرض لما فيها من آيات الأحكام فقط، وطريقته في ذلك أن يذكر السّورة، ثم يذكر عدد ما فيها من آيات الأحكام، ثم يأخذ في شرحها آية آية ... قائلا: الآية الأولى وفيها خمس مسائل «مثلا» ، والآية الثانية وفيها سبع مسائل «مثلا» وهكذا، حتى يفرغ من آيات الأحكام الموجودة في السورة.

وهذا الكتاب يعتبر مرجعا مهما للتفسير الفقهي عند المالكية وذلك لأن مؤلفه مالكي تأثر بمذهبه، فظهرت عليه في تفسيره روح التعصّب له، والدفاع عنه، غير أنه لم يشتط في تعصبه إلى الدرجة التي يتغاضى فيها عن كل زلّة علمية تصدر من مجتهد مالكي، ولم يبلغ به التعسّف إلى الحد الذي يجعله يفنّد كلام مخالفه إذا كان وجيها ومقبولا، والذي يتصفح هذا التفسير يلمس منه روح الإنصاف لمخالفيه أحيانا، كما يلمس منه روح التعصب المذهبي التي تستولي على صاحبها، فتجعله أحيانا كثيرة يرمي مخالفه، وإن كان إماما له قيمته ومركزه بالكلمات المقذعة اللاذعة، تارة بالتصريح، وتارة بالتّلويح. ويظهر لنا أن الرجل كان يستعمل عقله الحر، مع تسلط روح التعصب عليه، فأحيانا يتغلب العقل على التعصب، فيصدر حكمه عادلا لا تكدره شائبة التعصب، وأحيانا- وهو الغالب- تتغلب العصبية المذهبية على العقل، فيصدر حكمه مشوبا بالتعسّف، بعيدا عن الإنصاف.

وهذا الكتاب أيضا لم ينص المصنف على أنه اعتمد عليه- في مقدمته، بل ذكر النقل عنه في ثنايا التفسير.

ثانيا: كتب غريب «١» القرآن والحديث:

وقد اعتمد الثعالبي على كتابين في غريب ألفاظ الكتاب العزيز: أولهما: لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، والثاني: وهو مختصر غريب القرآن للحافظ زين الدين العراقي.


(١) قال الإمام أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي الغريب من الكلام انما هو الغامض البعيد من الفهم كما أن الغريب من الناس إنما هو البعيد عن الوطن المنقطع عن الأهل والغريب من الكلام يقال به على وجهين. أحدهما أن يراد به أنه بعيد المعنى غامضه لا يتناوله الفهم إلا عن بعد، ومعاناة فكره والوجه الأخر أن يراد به كلام من بعدت به الدار من شواذ قبائل العرب، فإذا وقعت إلينا الكلمة من لغاتهم استغربناها انتهى.
وقال ابن الأثير في «النهاية» : وقد عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفصح العرب لسانا، حتى قال له علي رضي الله تعالى عنه وقد سمعه يخاطب وقد بني نهد: يا رسول الله نحن بنو أب واحد، ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره، فقال: «أدبني ربي فأحسن تأديبي» فكان عليه الصلاة والسلام يخاطب العرب على اختلاف شعوبهم وقبائلهم بما يفهمونه، فكأن الله تعالى قد أعلمه ما لم يكن يعلمه غيره، وكان

<<  <  ج: ص:  >  >>