تُهْلِكُ، و «والدمار» : الهلاك، وقوله: كُلَّ شَيْءٍ ظاهره العموم، ومعناه الخُصُوصُ في كُلِّ ما أُمِرَتْ بتدميره، وروي أَنَّ هذه الريح رمتهم أجمعين في البَحْرِ.
ثم خاطب جلَّ وعلا قريشاً على جهة الموعظة بقوله: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ فَ «مَا» بمعنى «الذي» ، و «إن» نافية وقعتْ مكان «مَا» لمختلف اللفظ، ومعنى الآية:
ولقد أعطيناهُمْ من القُوَّةِ والغنى والبَسْطِ في الأموال والأجسامِ- ما لم نُعْطِكُمْ، ونالهم بسَبَبِ كُفْرِهِمْ هذا العَذَابُ فأنتم أحرى بذلك إذا تماديتم في كفركم، وقالت فرقة: «إنْ» شرطية، والجواب محذوف، تقديره: في الذي إنْ مَكَّنَّاكم فيه طغيتم، وهذا تَنَطُّعٌ في التأويل، و «ما» نافية في قوله: فَما أَغْنى عَنْهُمْ ويقوِّي ذلك دخولُ «مِنْ» في قوله:
مِنْ شَيْءٍ، وقالت فرقةٌ: بل هي استفهام على جهة التقرير ومِنْ شَيْءٍ- على هذا- تأكيدٌ وهذا على غير مذهب سيبَوَيْهِ في دخول «مِنْ» في الجواب.
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]
وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨)
وقوله عز وجل: وَلَقَدْ أَهْلَكْنا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى ... الآية، مخاطبة لقريشٍ على جهة التمثيلِ وَصَرَّفْنَا الْآياتِ يعني: لهذه القرى.
وقوله سبحانه: فَلَوْلا نَصَرَهُمُ ... الآية، يعني: فهلا نَصَرَتْهُمْ أصنامُهُمْ، بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ أي: انتلفوا عنهم وقت/ الحاجة وَذلِكَ إِفْكُهُمْ إشارةٌ إلى قولهم في الأصنامِ: إنها آلهةٌ.
وقوله: وَما كانُوا يَفْتَرُونَ يحتمل أَنْ تكون «ما» مصدريةً، فلا تحتاج إلى عائد، ويحتمل أَنْ تكون بمعنى «الذي» فهناك عائد محذوف، تقديره: يفترونه.
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ٢٩ الى ٣٣]
وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لاَّ يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣)
وقوله تعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ ... الآية، ابتداءُ وَصْفِ قِصَّةِ الجِنِّ ووفادتهم على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد اختلفت الرُّوَاةُ هِنَا: هَلْ هذا الجِنُّ هُمُ الوَفْدُ أوِ