للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلائِقِ، وَوَحَّدَهُ على اسم الجِنْسِ لأنَّ كلَّ أحد له كتاب على حدة، «وجيء بالنبيئين» أي: ليشهدوا على أممهم، والشُّهَداءِ قيل: هو جمع «شَاهِد» وقيل: هو جمع «شَهِيدٍ» في سبِيلِ اللَّهِ، والأولُ أبْيَنُ في معنى التَّوَعُّدِ، والضميرُ في قوله بَيْنَهُمْ عائدٌ على العالم بِأجْمَعِهِ، إذِ الآيةُ تدلُّ عليهم، وزُمَراً مَعْنَاهُ: جماعاتٍ متفرقةً، واحدتها: زُمْرَة.

وقوله: فُتِحَتْ جوابُ «إذَا» ، والكَلاَمُ هنا يَقْتَضِي أن فَتْحَها إنما يكُونَ بَعْدَ مجِيئِهم، وفي وُقوفِهِم قَبْل فَتْحِها مَذَلَّةٌ لهُمْ، وهَكَذا هي حالُ السُّجُونِ ومَواضِعِ الثِّقَافِ والعَذَابِ بِخلافِ قولِهِ في أَهْلِ الجَنَّةِ وَفُتِحَتْ، فالواو مؤذِنَةٌ بأنهم يَجِدُونَها مَفْتُوحَةً كَمَنَازِلِ الأَفْرَاحِ والسُّرُورِ.

وقوله تعالى: وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ ... الآية، في قوله: مِنْكُمْ أعْظَمُ في الحُجَّةِ، أي: رُسُلٌ مِنْ جِنْسِكُمْ لا يَصْعُبُ عليكم مرامهم، ولا فهم أقوالهم.

[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٧٣ الى ٧٥]

وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (٧٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٤) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥)

وقوله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ: لَفْظٌ يعمُّ كُلَّ مَنْ يدخلُ الجنةَ من المؤمنينَ الذين اتقوا الشِّرْكَ، والواو في قوله: وَفُتِحَتْ مؤذِنَةٌ بأنها قَدْ فتحت قبل وصولهِم إليها، وقالتْ فِرْقَةٌ: هي زائدةٌ وقالَ قَوْمٌ: أشَارَ إلَيْهِمُ ابن الأنباريِّ، وضَعَّفَ قولَهُم: هذه واو الثمانيةِ، وقد تقدَّم الكلامُ عليها، وجَوابُ «إذا» فُتِحَتْ، وعَنِ المُبَرِّدِ: جوابُ «إذا» محذوفٌ، تقديره بعد قوله: خالِدِينَ: سُعِدُوا وسقطَتْ هذه الواوُ في مصحف ابن مسعود، وسَلامٌ عَلَيْكُمْ تحيةٌ، وطِبْتُمْ معناه: أعمالاً ومُعْتَقَداً وَمُسْتَقَرّاً وجَزَاءً، وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ يريد: أرض الجنّة، ونَتَبَوَّأُ معناه: نتخذ أَمْكِنَةٌ ومَسَاكِنَ، ثم وَصَفَ تعالى حَالَةَ الملائِكَةِ مِنَ العَرْشِ وَحُفُوفَهُمْ به والحفُوفُ الإحْدَاقُ بالشَّيْءِ، وهذه اللفظة مأخوذةٌ من الحِفَافِ، وهو الجانبُ، قال ابن المبارِك في «رقائقه» : أخبرنا مَعْمَرٌ عن أبي إسحاق/ عن عاصم بن ضَمْرَةَ عن علي أنه تلا هذه الآية: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها

قال: وَجَدُوا عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ شَجَرَةً يخرجُ مِنْ ساقها عَيْنَانِ، فَعَمَدُوا إلى إحداهما كأنما أمروا بها، فاغْتَسَلُوا بها، فَلَمْ تَشْعَثْ رُؤُوسُهم بَعْدَها أبداً، ولم تَتَغَيَّرْ جُلُودُهُمْ بَعْدَهَا أبداً كأنما دُهِنُوا بِالدُّهْنِ، ثم عمدوا إلى الأخرى، فشربوا منها،

<<  <  ج: ص:  >  >>