للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإِذا جاء المَقْدُور الواقعُ، أسلم المَرْءُ إِليه، وال مُعَقِّباتٌ على هذا التأويل: الحَفَظَةُ على العِبَادِ أَعمالهم، والحَفَظَةُ لهم أيضاً قاله الحسن «١» ، وروى فيه عن عثمانَ بْنِ عَفَّان حديثاً عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهذا أقوى التأويلات في الآية، وعبارةُ البخاريِّ: مُعَقِّباتٌ:

ملائكةٌ حَفَظَةٌ يَعْقُبُ الأَوَّلُ منها الآخِرَ. انتهى.

وقالَتْ فرقةٌ: الضمير في «له» عائدٌ على اسم اللَّه المتقدِّم ذكره، أي: للَّه معقِّبات يحفظون عَبْده، والضمير في قوله: يَدَيْهِ وما بعده من الضمائر عائدٌ على العَبْد، ثم ذكر سبحانه أنه لا يغيِّر هذه الحالة مِنَ الحفْظِ للعبدِ حتَّى يغير العبد ما بنَفْسِهِ، وال مُعَقِّباتٌ: الجماعاتُ التي يَعْقَب بعضُها بعضاً، وهي الملائكة، وينظر هذا إلى قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يَتَعَاقَبُ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بالنَّهَارِ ... » «٢» الحديث، وفي قراءة أُبيِّ بْنِ كَعْب: «مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ/ وَرَقِيبٌ مِنْ خَلْفِهِ» ، وقرأ ابن «٣» عباس: «وَرُقَبَاءُ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ بِأَمْرِ اللَّهِ» ، وقوله: يَحْفَظُونَهُ: أي: يحرسونه ويذبُّون عنه، ويحفظونَ أيضاً أعماله، ثم أخبر تعالى أَنه إِذا أَراد بقومٍ سوءاً، فلا مردَّ له، ولا حِفْظَ منه.

[سورة الرعد (١٣) : الآيات ١٢ الى ١٤]

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (١٤)

وقوله سبحانه: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ ... الآية: قد تقدَّم في أول البَقَرة تفسيرُهُ، والظاهر أنَّ الخوف إِنما هو من صَوَاعِقِ البَرْق، والطَّمَع في الماء الذي يكونُ معه، وهو قول الحسن «٤» ، والسَّحابَ: جمع سحابة ولذلك جمع الصفة، والثِّقالَ:

معناه: بحملِ الماءِ، قاله قتادة ومجاهد «٥» ، والعربُ تصفها بذلك، وروى أبو هريرة أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ، قَالَ: «سُبْحَانَ مَنْ يسبّح الرّعد بحمده» «٦» ، وقال ابن أبي


(١) ذكره ابن عطية (٣/ ٣٠٠) ، والسيوطي (٤/ ٩٠) ، وعزاه لابن جرير.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٣٠٢) ، و «البحر المحيط» (٥/ ٣٦٤) .
(٤) ذكره ابن عطية (٣/ ٣٠٣) .
(٥) أخرجه الطبري (٧/ ٣٥٩) برقم: (٢٠٢٥٣) وبرقم: (٢٠٢٥٤، ٢٠٢٥٨) ، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٠٣) ، وابن كثير (٢/ ٥٠٥) ، والسيوطي (٤/ ٩٥) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ. [.....]
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧/ ٣٦٠) برقم: (٢٠٢٦٠) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ٩٧) ،

<<  <  ج: ص:  >  >>