للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنها تحصب به، أي: تُرْمَى، وإمَّا أنْ يكون لغة في الحطب إذا رُمِيَ، وإمَّا قبل أنْ يرمى فلا يُسَمَّى حصباً إلاَّ بتجوز، وحرق الأصنام بالنار على جهة التوبيخ لعابديها، ومن حيث تقع «ما» لمن يعقل في بعض المواضع، اعترَضَ في هذه الآية عبدُ الله بنُ الزِّبعري على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: إنَّ عِيسَى وعُزَيراً وَنَحْوَهُمَا قَدْ عُبِدَا مِنْ دُونِ اللهِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونُوا حَصَباً لجهنم فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى الآية. والورود في هذه الآية:

ورودُ الدخولِ، والزفيرُ: صوت المُعَذِّبِ، وهو كنهيق الحمير وشبهه إلاَّ أَنه من الصدر.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١٠٢ الى ١٠٥]

لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (١٠٢) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣) يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (١٠٤) وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥)

وقوله سبحانه: لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَها هذه صفة الذين سبقت لهم الحسنى، وذلك بعد دخولهم الجنة لأَنَّ الحديث يقتضى أَنَّ في الموقف تزفر جهنم زفرةً لا يبقى نبيٌّ ولا مَلَكٌ إلاَّ جثا على ركبتيه، قال البخاريُّ «١» : الحسيس والحس: واحد، وهو الصوتُ الخفيُّ، انتهى. والفزع الأكبر عامٌّ في كلِّ هول يكون يوم القيامة، فكأَنَّ يوم القيامة بجملته هو الفَزَعُ الأكبر.

وقوله سبحانه: وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ يريد: بالسلام عليهم والتبشير لهم، أي: هذا يومكم الذي وعدتهم فيه الثواب والنعيم، والسِّجِلِّ في قول فرقة: هو الصحيفة التي يُكْتَبُ فيها، والمعنى: كما يطوى السِّجِلُّ من أجل الكتاب الذي فيه، فالمصدر مضاف إلى المفعول وهكذا قال البخاري «٢» : السجل: الصحيفة، انتهى، وما خَرَّجه أبو داودَ في «مراسيله» من أَنَّ السجل: اسم رجل من كتّاب النبي صلى الله عليه وسلّم «٣» . قال السهيليُّ فيه: هذا غير معروف. انتهى.


(١) ينظر: «صحيح البخاري» (٨/ ٢٨٩) كتاب التفسير: باب سورة الأنبياء.
(٢) ينظر المصدر السابق.
(٣) أخرجه أبو داود (٢/ ١٤٧) كتاب الخراج والفيء والإمارة: باب في اتخاذ الكاتب، حديث (٢٩٣٥) ، والنسائي في التفسير (٢/ ٧٤) رقم (٣٥٥) ، والطبريّ (٩/ ٩٤) رقم (٢٤٨٤٩) ، وابن عدي في «الكامل» (٧/ ٢٦٦٢) ، والبيهقي (١٠/ ١٢٦) ، والطبراني في «الكبير» (١٢/ ١٧٠) رقم (١٢٧٩٠) من حديث ابن عباس. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ٦١١) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن منده في «المعرفة» ، وابن مردويه، وابن عساكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>