للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢٢ الى ٢٥]

وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (٢٢) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢٣) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (٢٥)

وقوله تعالى: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ ... الآية. قالت فرقة: لما أمر- رسول الله صلى الله عليه وسلّم- بحفر الخندقِ أعلمهم بأنهم سَيُحْصَرَون، وأمرهم بالاستعدادِ لذلك، وأعْلمهم بأنهم سَيُنْصَرُوْنَ بعد ذلك، فلما رأوا الأحزاب: قالُوا: هذا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ الآية، وقالت فرقة: أرادوا بوعد الله ما نَزَل في سورة البقرة من قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ إلى قوله قَرِيبٌ [البقرة:

٢١٤] .

قال ع «١» : وَيُحْتَمَلُ أنهم أرادوا جميعَ ذلك. ثم أثنى سُبحانه على رجالٍ عَاهدوا الله على الاسْتِقَامَةِ فَوَفَّوْا، وَقَضَوْا نَحْبُهُمْ، أي: نَذْرَهُمْ، وَعَهَدَهُمْ، «والنَّحْبُ» فِي كَلاَمِ العَرَبِ: النَّذْرُ والشَّيءُ الذي يلتزمُهُ الإنسان، وقَد يُسَمَّى المَوْتُ نَحْباً، وبهِ فسَّر ابن عبَّاس «٢» وغيرُه هذه الآيةَ، ويقال للذي جاهد في أمرٍ حتى ماتَ: قضى فيه نحبه، ويقالُ لمن مات: قضى فلان نحبه فممن سَمَّى المفسرون أنّه أُشِيرَ إليه بهذه الآية أنس بن النضر عَمُّ أنسِ بن مالكٍ، وذلك أنه غَابَ عن بَدْرِ فساءَه ذلك، وقال لئن شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم مَشْهَداً ليَرَيَنَّ اللهُ ما أصْنَعُ. فلما كان أحَدٌ أبلَى بلاءً حَسَناً حَتَّى قُتِلَ وَوُجِدَ فيه نَيِّفٌ على ثمانينَ جُرْحاً، فكانوا يَروْنَ أن هذه الآيةَ في أنس بن النضر ونظرائه.

وقالت فرقة: الموصوفون بقَضَاء النَّحْبِ هم جماعة من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلّم وَفَّوْا بِعُهُودِ الإسْلاَمِ عَلَى التَّمَامِ، فالشُّهَداءُ منهم، والعشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالجنّةِ منْهم، إلى مَن حَصَل في هذه المرتبةِ مِمَّنْ لَم يُنَصَّ عليه، ويُصَحَّحُ هذه المقالةَ أيضاً مَا رُوِيَ أن رَسولَ الله صلى الله عليه وسلّم كان عَلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ لَهُ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنِ الَّذِي قضى نَحْبَهُ؟ فَسَكَتَ عنه النّبيّ صلى الله عليه وسلّم سَاعَةً، ثُمَّ دَخَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ على بَابِ المَسْجِدِ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أَيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: هَأَنَذَا، يا رسُولَ الله، قال:


(١) ينظر: «المحرر» (٤/ ٣٧٧) .
(٢) أخرجه الطبريّ (١٠/ ٢٨٠) رقم (٢٨٤٢٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>