للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَلَب أنْ يثير في نفسه سَبَبَ التسلِّي عنهم، فجعل يعدِّد معاصيهم وإِعراضهم، ثم قال لنفسه لمّا نظر وفكّر: فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ، ونحو هذا قوله صلّى الله عليه وسلّم لأَهْل قليب بَدْرٍ، وأسى معناه: أحزن.

/ قال مَكِّيٌّ: وسار شعيبٌ بمن معه حتَّى سكن مكّة إلى أن ماتوا بها «١» .

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٩٤ الى ٩٦]

وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩٥) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦)

وقوله سبحانه: وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ أخبر سبحانه أنَّه ما بعث نبيًّا في قرية، وهي المدينةُ إِلاَّ أخذ أهلها المكذِّبين له بِالْبَأْساءِ وهي المصائبُ في المال، وعوارضُ الزَّمَن وَالضَّرَّاءِ وهي المصائبُ في البدن كالأمراض ونحوها، لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ أي: ينقادون إلى الإِيمان، وهكذا قولهم:

الحُمَّى أَضْرَعَتْنِي لَكَ، ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ، وهي البأساءُ والضرَّاءُ الْحَسَنَةَ، وهي السرَّاء والنِّعمة حَتَّى عَفَوْا: معناه: حتى كَثُرُوا، يقال: عَفَا النباتُ والرِّيشُ إِذا كَثُر نباته ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأعْفُوا اللحى» «٢» ولما بدَّل اللَّه حالهم بالخَيْر لُطْفاً بهم فَنَمْوا، رأوا أن إِصابة الضَّرَّاء والسَّرَّاء إنما هي بالاتِفاق، وليستْ بقَصْد كما يخبر به النبيُّ، واعتقدوا أنَّ ما أصابهم مِنْ ذلك إِنما هو كالاتفاق الذي كان لآبائهم، فجعلوه


(١) ذكره ابن عطية (٢/ ٤٣١) .
(٢) أخرجه مالك (٢/ ٩٤٧) كتاب «الشعر» باب: السنة في الشعر، حديث (١) ، والبخاري (١٠/ ٣٥١) كتاب «اللباس» باب إعفاء اللحى، حديث (٥٨٩٣) ، ومسلم (١/ ٢٢٢) كتاب «الطهارة» باب: خصال الفطرة، حديث (٥٢، ٥٣/ ٢٥٩) ، وأبو داود (٢/ ٤٨٣) كتاب «الترجل» ، باب: في أخذ الشارب، حديث (٤١٩٨) ، والترمذي (٥/ ٩٥) كتاب «الأدب» باب: ما جاء في إعفاء اللحية، حديث (٢٧٦٣، ٢٧٦٤) ، والنسائي (١/ ١٦) كتاب «الطهارة» باب: إحفاء الشارب وإعفاء اللحى، حديث (١٥) ، وفي (٨/ ١٨١- ١٨٢) كتاب «الزينة» باب: إحفاء الشوارب وإعفاء اللحية، حديث (٥٢٢٦) ، وأبو عوانة (١/ ١٨٩) ، وابن أبي شيبة (٨/ ٣٧٦) ، وابن المنذر في «الأوسط» (١/ ٢٣٩) ، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٤/ ٢٣٠) ، والبيهقي (١/ ١٥١) كتاب «الطهارة» وفي «الآداب» برقم: (٨٣٠) ، والخطيب في «تاريخ بغداد» (٦/ ٢٤٧) ، وفي «الجامع لأخلاق الراوي» (١/ ٣٧٥) برقم: (٨٦٣) ، والبغوي في «شرح السنة» (٦/ ٢١٩ بتحقيقنا) من طرق عن نافع، عن ابن عمر به.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>