للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله جلَّت قُدْرته: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ.

قال السُّدِّيُّ: معناه: قدِّموا الأجْر في تجنُّب ما نُهِيتُمْ عنْه، وامتثال ما أُمِرْتُمْ به- وَاتَّقُوا اللَّهَ: تحذيرٌ- وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ: خبرٌ يقتضي المبالغَةَ في التحْذير، أي: فهو مجازيكُمْ علَى البِرِّ والإِثم وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ: تأنيسٌ لفاعلي البرِّ، ومِتَّبِعِي سنن الهدى «١» ،

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٢٤ الى ٢٢٥]

وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤) لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥)

قوله تعالى: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ... الآية: مقصد الآيةِ: ولا تُعرِّضوا اسم اللَّهِ تعالى، فتكثروا الأيمان به، فإِن الحِنْثَ يقع مع الإِكثار، وفيه قِلَّة رَعْيٍ لحقِّ اللَّه تعالى.

وقال الزجَّاج «٢» وغيره: معنى الآيةِ: أنْ يكون الإِنسان، إِذا طُلِبَ منه فعْلُ خيرٍ ونحوه، اعتل باللَّه، وقال: عليَّ يمينٌ، وهو لم يحلفْ.

وقوله: عُرْضَةً، قال ابن العربيِّ في «أحكامه» «٣» : اعلم أنَّ بناء عرض في كلامِ العربِ يتصرَّف على معانٍ مرجعُها إِلى المَنْع لأنَّ كلَّ شيء عرضٌ، فقد مَنَعَ، ويقال لِمَا عَرَضَ في السَّمَاء من السحَابِ عَارِضٌ لأَنَّه يمنع من رؤيتها، ومن رؤية البدرين، والكواكب. انتهى.

وأَنْ تَبَرُّوا: مفعولٌ من أجله «٤» ، والبِرُّ: جميع وجوه البرّ، وهو ضدّ الإثم


(١) ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (١/ ٣٠٠) .
(٢) «معاني القرآن» (١/ ٢٩٩) .
(٣) ينظر: «الأحكام» (١/ ١٧٤- ١٧٥) . [.....]
(٤) هذا قول الجمهور، ثم اختلفوا في تقديره، فقيل: إرادة أن تبرّوا، وقيل: كراهة أن تبروا، قاله المهدوي، وقيل: لترك أن تبروا، قاله المبرد، وقيل: لئلا تبروا، قاله أبو عبيدة والطبري، وأنشدا:
... فلا والله تهبط تلعة ... ............... ............... ..
أي: لا تهبط، فحذف «لا» ومثله: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النساء: ١٧٦] أي: لئلا تضلّوا. وتقدير الإرادة هو الوجه، وذلك أنّ التقادير التي ذكرتها بعد تقدير الإرادة لا يظهر معناها، لما فيه من تعليل امتناع الحلف بانتفاء البر، بل وقوع الحلف معلّل بانتفاء البرّ، ولا ينعقد منهما شرط وجزاء، لو قلت في معنى هذا النهي وعلّته: «إن حلفت بالله بررت» لم يصحّ، بخلاف تقدير الإرادة، فإنه يعلّل امتناع-

<<  <  ج: ص:  >  >>