للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، وليس في ذِكْرِ المنافقينَ قَبْلَهُ ما يقتَضِي أنْ يُحْمَلَ عليهم خاصَّةً، مع احتمال الآية للعُمُومِ، فقطْعُهُ بأنَّ الآية في المنافِقِينَ حُكْمٌ لا يقُومُ به دليلٌ. انتهى، وهو حَسَنٌ إذ حمل الآية على العُمُومِ أحْسَنُ.

والعَجَب من ع: كيف تَبِعَ الطبريُّ في هذا التَّخْصيصِ، ويظهر- واللَّه أعلم- أنهما عَوَّلا في تخصيص الآية على قوله تعالى: وَآمَنْتُمْ، وهو محتملٌ أن يحمل في حَقِّ المنافقين على ظاهره، وفي حقِّ المؤمنين على معنى: «دُمْتُمْ على إيمانكم» ، واللَّه أعلم.

والشُّكْرُ على الحقيقة لا يَكُونُ إلاَّ مقترناً بالإيمان، لكنه ذكر الإيمان تأكيداً وتنبيهاً على/ جلالة موقعه، ثم وَعَدَ سبحانه بقوله: وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً: أيْ يتقبَّل أقلَّ شيء مِنَ العَمَل، وينَمِّيه فذلك شُكْرٌ منه سبحانه لعباده، والشَّكُورُ من البهائمِ: الَّذي يأكل قليلاً، ويظهر به بَدَنُه، والعَرَبُ تقول في مثل: «أَشْكَرُ مِنْ بَرْوقَةٍ» لأنها يُقَالُ: تخضَرُّ وتتنضَّر بِظِلِّ السَّحاب دُونَ مَطَرٍ، وفي قوله: عَلِيماً: تحذيرٌ ونَدْبٌ إلى الإخلاص.

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٤٨ الى ١٤٩]

لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (١٤٨) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩)

وقوله تعالى: لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ... الآية: قراءة الجمهور «١» بضَمِّ الظاء، وقرىء «٢» شاذاً بفتحها، واختلف على قراءة الجمهورِ، فقالَتْ فرقةٌ: المعنى: لا يحبُّ اللَّه أنْ يَجْهَرَ أحدٌ بالسوء من القَوْل إلا مَنْ ظُلِم، فلا يُكْرَهُ له الجَهْرُ به، ثم اختلفتْ هذه الفرقةُ في كيفيَّةِ الجَهْر بالسُّوء، وما هو المباحُ منه، فقال ابنُ عَبَّاس وغيره: لا بأسَ لِمَنْ ظلم أن ينتصر من ظلمه بمثْلِ ظُلْمِهِ، ويَجْهَرَ له بالسُّوء من القَوْل، أي: بما يوازي الظَّلاَمَةَ «٣» ، وقال مجاهد وغيره: نزلَتْ في الضَّيْفِ المُحَوَّلِ رَحْلُه، فإنَّه رُخِّصَ له أنْ يجهر بالسُّوءِ من القول للذي لم يُكْرِمْهُ، يريد: بقَدْر الظلمِ، والظُّلاَمةِ «٤» ،


(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ١٢٩) ، و «البحر المحيط» (٣/ ٣٩٨) ، و «الدر المصون» (٢/ ٤٥١) .
(٢) وهي قراءة ابن أبي إسحاق، وزيد بن أسلم، والضحاك بن مزاحم، وابن عباس، وابن جبير، وعطاء بن السائب، وعبد الأعلى بن عبد الله بن مسلم بن يسار، ومسلم بن يسار وغيرهم.
ينظر: السابق، والمحتسب (١/ ٢٠٣) .
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» بتحقيق الشيخ شاكر (٩/ ٣٤٤) برقم (١٠٧٤٩) ، وذكره ابن عطية (٢/ ١٢٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٤٢٠) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس. [.....]
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٣٤١) برقم (١٠٧٦٣، ١٠٧٦٥) ، وذكره ابن عطية (٢/ ١٢٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٤٢٠) ، وعزاه للفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>